<data:blog.pageTitle/> <data:blog.pageName/> - <data:blog.title/>
رئيس التحرير | جمال المارمي
مقالات

ِإبراهيم ناصر الجرفي يكتب.. إنتقائية النقل والإقتباس الفكري والسياسي والحضاري في العالم العربي والإسلامي ..!!

عدن توداي

إبراهيم ناصر الجرفي ..

إن الباحث والمهتم بالشأن السياسي في العالم العربي والإسلامي ‘ سوف يلاحظ على الفور بأن أنظمة الحكم العربية والإسلامية خلال تاريخها الطويل وهي تقوم بالنقل والاقتباس من الأمم والحضارات الأخرى ‘ قد درجت على حالة من الإنتقائية في عملية النقل والاقتباس الفكري والسياسي والحضاري ‘ حيث سمحت بنقل واقتباس كل الأفكار والنظريات التي لا تتعارض مع مناهجها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ‘ ومنعت ما هو دون ذلك ‘ بل إنها إعتبرت أن نقل كل ما يخالف أفكارها ومناهجها بأنه كفرٌ بواح ، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل إن هذه الأنظمة قد منعت العلماء والمفكرين والفقهاء من مجرد التفكير والبحث في الأفكار والنظريات التي تتعارض مع سياساتها ومناهجها الفكرية والسياسية ‘ وذلك رغم الانفتاح الثقافي الكبير الذي رافق توسع الدولة الاسلامية خصوصاً خلال فترة حكم الدولة العباسية ‘ حيث قام الخليفة المأمون بتشجيع العلماء والمفكرين في نقل وإقتباس وترجمة الكثير من الكتب والمؤلفات الموجودة لدى الحضارات الأخرى ‘ ومنها مؤلفات وكتب الفلاسفة الإغريق القدماء كسقراطـ وأفلاطون وأرسطو وغيرهم في شتى مجالات المعرفة الإنسانية والعلمية ..!!

ولكن عند مراجعة وقراءة مؤلفات المفكرين العرب في المجال السياسي خلال تلك الفترة التاريخية على سبيل المثال ‘ لن تجد أياً من المفردات والمفاهيم السياسية الإغريقية القديمة ‘ كالديمقراطية والانتخابات والحرية السياسية والمشاركة الشعبية والنظام والقانون وغيرها ‘ بل سوف تجد أن كل أفكارهم وابحاثهم وكتاباتهم ركزت على المجالات الفلسفية واللاهوتية والغنوصية والسفسطائية والفلكية والقليل منها في الجوانب الرياضية والعلمية والاقتصادية ‘ وجميعها لا علاقة لها بالنظريات والأفكار السياسية الإغريقية القديمة ، وهو ما يؤكد على حالة الإنتقائية في النقل والاقتباس والترجمة ‘ التي كانت تنتهجها أنظمة الحكم في العالم الإسلامي خلال تاريخها الطويل ‘ ولا تزال تسير عليها حتى اليوم ‘ فرغم النهضة العلمية والفكرية الكبيرة والمذهلة التي شهدتها الحضارة الغربية في شتى مجالات الحياة ‘ ومنها المجال السياسي الذي شهد العديد من النظريات والأفكار السياسية التي ساهمت بشكل كبير في تطور الفكر السياسي الغربي ‘ وكان لها الدور الكبير في النهضة العلمية والحضارية التي شهدتها المجتمعات الغربية ‘ وفي مقدمتها النظرية الديمقراطية التي جعلت الشعوب الغربية تحكم نفسها بنفسها ‘ وأبعدتها عن شبح الاستبداد والطغيان والعبودية والخلافات والحروب والصراعات الداخلية عن طريق التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة ..!!

إلا أن الكثير من أنظمة الحكم في العالم العربي والاسلامي قد جعلت من الأفكار التي جاءت بها الديمقراطية الحديثة عدوها الأول ‘ بل وسخرت مفكريها وفقهائها لإنتقادها وتشويه صورتها والقول بمعارضتها للشرع الإسلامي ‘ وذلك رغم أنها النظرية الأكثر قرباً وتطابقاً وانسجاماً مع مبدأ الشورى في الفكر السياسي الإسلامي ، كل ذلك رغم أن هذه الأنظمة قد فتحت ذراعيها لنقل واقتباس كل مخرجات الحضارة الغربية في كل المجالات الأخرى ‘ بل لقد ذهبت بعض تلك الأنظمة إلى التقليد الحرفي للكثير من البروتوكولات السياسية الغربية في إدارة السلطة وشئون الحكم ‘ وحتى المجتمعات العربية والإسلامية نفسها لم تتردد في التقليد الحرفي للكثير من العادات والتقاليد المجتمعية الغربية في شتى مجالات الحياة ( في المأكل والمشرب والملبس والمركب …الخ ) ، ليصبح كل ذلك النقل والتقليد والاقتباس من الحضارة الغربية فيما يتعلق بالمجالات الحياتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والعلمية مباحاً بل ومستحباً ‘ سواءاً على مستوى السلطة أو المجتمع ‘ وليظل النقل والتقليد والاقتباس فيما يتعلق بالمجال السياسي هو الممنوع والمحرم ‘ وهو ما يؤكد استمرارية الانظمة العربية والاسلامية في ممارسة سياسة الانتقائية في النقل والاقتباس الحضاري بما يتوافق مع توجهاتها الفكرية والسياسية ‘ ولتستمر الخطوط الحمراء حول كل ما يتعلق بالبحث والدراسة والنقل والاقتباس في مجال الفكر السياسي ..!!

لذلك كان ولا يزال الفكر السياسي الاسلامي يعيش حالة من التخلف والتخبط والعجز في مواجهة مشاكل الحياة وتطوراتها ومتغيراتها ومستجداتها ‘ وذلك لأنه لم ينل حقه من النقل والاقتباس والبحث والدراسة اللازمة لتطويره وتحديثه كما يجب ‘ كون هذا الأمر يتطلب مساحات واسعة من حرية الفكر والرأي والبحث والنقل والاقتباس ‘ والتي تكاد تكون غير متوفرة لدى أنظمة الحكم العربية والاسلامية ‘ لذلك سيظل الفكر السياسي العربي والاسلامي بعيد كل البعد عن التطورات الكبيرة التي شهدها الفكر السياسي الإنساني ، ولن يستطيع أن ينمو أو يتطور في ظل الظروف السائدة والإنتقائية القائمة ، واعتقد جازماً بأنه لو أتيحت الفرصة المناسبة للعقل السياسي العربي والاسلامي في البحث والنقل والاقتباس الحر والمفتوح في المجال السياسي كما أتيح له ذلك في بقية المجالات الأخرى ، لتمكن من الإبداع وابتكر الكثير من الأفكار والنظريات السياسية القادرة على جعل المجتمعات العربية والاسلامية تعيش حياة كريمة عادلة ، تتمتع فيها بكامل حقوقها وحرياتها الفكرية والسياسية ، ولتمكن العقل العربي والإسلامي من تطوير مبدأ الشورى بأفكار واجتهادات تتفوق على كل الأفكار المتصلة بالنظرية الديمقراطية ، لكن ذلك لم ولن يكن في مصلحة أنظمة الحكم في كل زمان ومكان ، من أجل ذلك لم ولن تسمح تلك الأنظمة بحدوث ذلك ، وسوف تستمر في سياساتها القائمة على الانتقاء في الاقتباس والنقل الحضاري ، وسوف تستمر في محاربة وتشويه كل الأفكار والنظريات التي لها علاقة بتطوير وتحديث الفكر السياسي .!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار
إذا كنت تبحث عن بيع اثاث مستعمل في الدمام ، فأنت في المكان الصحيح. Sonic forces – running game 4. How to safely buy, store, and sell crypto currency as a beginner.