<data:blog.pageTitle/> <data:blog.pageName/> - <data:blog.title/>
رئيس التحرير | جمال المارمي
اخبار وتقارير

الرئيس علي ناصر يكشف لأول مرة عن طلب السوفيات في تقديم تسهيلات من ميناء عدن إلى أسطولهم العامل في المحيط الهندي (37)

(عدن توداي) إعداد/ د. الخضر عبدالله:

خرافة القواعد السوفياتية

كانت الاحاديث الماضية مع الرئيس علي ناصر التي حدثنها بها، حول مسألة قضية الارهابي كارلوس وكيف كانت نهايته.. وفي لقاء متجدد مع سيادة الرئيس ناصر يحكي لنا عن سقطرى وخرافة القواعد السوفياتية ..حيث يقول مستدركا :”لم يسبق أن استأثرت مسألة من مسائل الدعاية التي وجهت إلى نظامنا بقدر من الاهتمام والمتابعة من الدوائر السياسية والأجهزة الاستخبارية والإعلامية الغربية، كما كانت الحال تجاه قضية ما سُمِّي القواعد السوفياتية في عدن في ذروة الحرب الباردة.
نفت حكومة اليمن الديمقراطية هذه الادعاءات في وقتها جملة وتفصيلاً في ما أصدرته من بيانات رسمية وما صدر على لسان مسؤوليها من تصريحات.
المسألة في حقيقتها لم تكن سوى لعبة كاملة من الابتزاز السياسي والاقتصادي والعسكري تجاه أطراف في المنطقة انطلاقاً من قاعدة حماية المصالح الأميركية والغربية.
نفيتُ أي وجود لقواعد سوفياتية في بلادنا من موقعي في السلطة رئيساً للدولة ورئيساً للوزراء، ونفيتُه كذلك بعد خروجي من السلطة، لأن هذا السؤال كان يطرحه عليّ بإلحاح شديد السياسيون والصحافيون على السواء، بل كان السؤال الأكثر أهمية الذي ظل يطاردني في الحالتين.

الرئيس ناصر .. آسف لن أكذب!
وواصل الرئيس ناصر بفوله :”في عام 1989م بعد خروجي من السلطة في عدن بثلاث سنوات واجهت هذا السؤال من صحافيين غربيين، أحدهما بريطاني والآخر ألماني غربي.
سألاني عن حقيقة القواعد السوفياتية في اليمن الديمقراطية. وعندما نفيت وجود أية قواعد أجنبية في اليمن الديمقراطية، نظرا إليّ باندهاش. وفهمت سبب دهشتهما على الفور، فقلت:
من الممكن أن أقول لكما الكلام الذي يرضيكما، أو يرضي الدوائر الغربية… لكن حقيقة الأمر أنه لا وجود لتلك القواعد على أرض اليمن الديمقراطية، وكان قصد تلك الاتهامات إيهام الشعوب الغربية بخطورة النظام في عدن.
قالا مُندهشين:
الحقيقة أنك أول معارض نقابله لا يهاجم النظام، بل يدافع عنه! أليس هذا غريباً بعض الشيء؟
أجبته:
لأنه أصلاً لا وجود لتلك القواعد المزعومة! وإذا كان لي ثمة مأخذ على السوفيات، فهو أنهم لم يقدموا إلينا أي شيء لتطوير جزيرة (سقطرى)، حيث رددت الدعاوى أنهم أقاموا قاعدتهم. السوفيات بكل أسف لم ينفذوا حتى الاتفاقية السمكية التي وقعوها معنا. تلك هي الحقيقة، وإذا قلت لكم غيرها، فإني أكذب عليكم وعلى نفسي وعلى بلدي!
أرادا أن يسمعا مني أيّ شيء ضد النظام في عدن، مما كانت تردده المعارضة السابقة بوجود قواعد للروس في عدن، ولكنني رفضت لأن ذلك كان يجافي الواقع والحقيقة. قلت لهما:
أنا آسف، لن أكذب!

حقيقة أجهزة الاستخبارات الغربية

ويتطرق الرئيس ناصر في حديثه قائلا :”الحقيقة أن أجهزة الاستخبارات الغربية هي التي أطلقت موضوع القواعد العسكرية السوفياتية في عدن، وكان لها مصلحة سياسية واضحة من ذلك:
فرض مزيد من العزلة السياسية والاقتصادية على اليمن الديمقراطية، ومنع حصولها على أية مساعدات تقدم إليها من دول المنطقة، واستعداء دول المنطقة ضد النظام في عدن وتصويره بأنه مصدر إزعاج لها.
إعطاء غطاء شرعي لوجودها العسكري في بعض دول المنطقة، بما في ذلك وجود أساطيلها الحربية في البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي، ضمن معركة الولايات المتحدة الأميركية الصامتة والخفية للحفاظ على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط وتسويغ أعمالها العدوانية أمام الرأي العام العالمي.
اضطرتنا الحملة الغربية المكثفة على القواعد السوفياتية في بلادنا في عام 1976 إلى إعداد برنامج زيارات للدبلوماسيين المعتمدين في عدن لجزيرة (سقطرى)، وكان يشار إليها بأنها تحولت إلى قاعدة عسكرية سوفياتية عائمة في الإعلام الغربي. أخذناهم في طائرة إلى الجزيرة. قلنا لهم إن الزيارة للاستطلاع والسياحة، لكن الهدف الحقيقي لنا كان أن يشاهدوا كل شيء على الطبيعة، ليتأكدوا بأنفسهم من عدم وجود أية قواعد على أرض الجزيرة للسوفيات أو لغيرهم. جالوا على أرض الجزيرة بكامل الحرية، وكانت النتيجة أنهم لم يجدوا شيئاً.

المارشال جريشكو

ويتابع الرئيس ناصر مسترسلا:” نحن نعرف ما بداخل جحور الثعابين في الربع الخالي ومع ذلك لم تتوقف الحملة. كان الأميركان والبريطانيون والفرنسيون يعرفون أنه لا توجد قواعد عسكرية سوفياتية في سقطرى، فهم يعرفون ما يدور ويجري في البحر والجو من سفن وأساطيل وغواصات، وحتى عدد الدلافين وأسماك القرش في خليج عدن والمحيط الهندي، وذلك عبر الأقمار الصناعية وطائرات الاستكشاف وغير ذلك. وفي المقابل، كان الاتحاد السوفياتي يعرف ما يجري في البحر والجو والبر، كما حدثني وزير الدفاع السوفياتي المارشال غريشكو، حيث قال لي: «إننا نعرف ما بداخل جحور الثعابين في الربع الخالي». للأسف، كنا هدفاً لصراع القوى العظمى في ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي آنذاك!

تسهيلات التزود بالوقود في ميناء عدن

ويكمل الرئيس ناصر حديثه بقوله :” لم تكن عندنا قواعد للسوفيات في جزيرة (سقطرى) ولا في أي مكان آخر.
السوفيات طلبوا منا أن نقدم تسهيلات في ميناء عدن إلى أسطولهم العامل في المحيط الهندي: زيارة لقطع الأسطول الحربي، والتزود بالتموين من مياه وغيره، واستئجار خزانات وقود، مما يمكن أن تقدمه أية دولة إلى أسطول دولة صديقة بحسب الاتفاقات بين الدول.
طرحوا هذه المسألة بوضوح في وقت مبكر بعد نيلنا الاستقلال، وتحديداً ما بين عامي 1969-1971م. ففي تلك المرحلة قبل تطور العلاقات بين بلدينا، كانت موسكو ترفض تقديم أي دعم إلينا ما لم نقدم إليهم هذه التسهيلات التي لا تتجاوز زيارة قطع أسطولهم الحربي وتقديم التسهيلات إليه من النوع الذي ذكرتُه. وقد أعطت الجهات السياسية عندنا موافقتها الكاملة على هذه التسهيلات على أعلى المستويات، لكنها لم ترق قطّ إلى مستوى القواعد أو المثول الدائم في أي يوم من الأيام.لكن الدعاوى الغربية لم تتوقف في المقابل عن وجود تلك القواعد.

(سقطرى) تشكل أهمية استراتيجية

وقال الرئيس ناصر مردفا :” لا شك في أن جزيرة (سقطرى) تشكل أهمية استراتيجية، وتشكل موقعاً في غاية الأهمية لإقامة منشآت أو قواعد عسكرية في هذه الجزيرة الآمنة، ولهذا واجهنا إلحاحاً من عديد من الدول، وليس السوفيات وحدهم، للحصول على الموافقة لإقامة قواعد أو منشآت عسكرية. لكننا كنا نرفض مبدأ منح القواعد أصلاً لتعارضه مع مبدأي السيادة الوطنية والاستقلال، وهما ما لم نكن مستعدين للتفريط فيهما مهما كان الثمن. ولا سيما بعد تجربتنا المريرة مع الاستعمار البريطاني الذي احتلّ بلادنا 129عاماً. وقد كانت القاعدة البريطانية في عدن من أكبر القواعد الأجنبية شرقي السويس. لم يكن ممكناً التساهل مع أي نوع من الوجود الأجنبي على أراضي بلادنا. وكان الناس في السنوات الأخيرة يضيقون ذرعاً بالخبراء والمستشارين الروس الذين كانوا يدربون قواتنا المسلحة على السلاح الحديث «معتقدين أنهم السبب وراء ذلك»، كلما حصلت أزمة في تموين السوق والسكان بالأسماك، فكيف سيكون الأمر بوجود قواعد لهم؟
أما في ما يختص بجزيرة (سقطرى)، فبالرغم من أهميتها الاستراتيجية وموقعها الفريد، إلا أنها في وضعها آنذاك لم تكن تصلح لأي شيء، لانعدام وسائل الحياة العصرية فيها، فلم يكن فيها كهرباء ولا مياه ولا مطار ولا ميناء مما يلزم أية قوة عسكرية ولو صغيرة، حتى حاميتنا العسكرية الصغيرة هُناك كنا نجد صعوبة كبيرة في إيصال التموين إليها، خصوصاً في بعض الأشهر التي تنقطع فيها الجزيرة عن العالم بسبب تعرضها لعواصف ورياح موسمية شديدة يستحيل معها الوصول إليها.
في محاولة لتطوير الجزيرة وقّعنا اتفاقية مع الاتحاد السوفياتي بإقامة ميناء للصيد ومنشآت وثلاجات للأسماك بقصد استغلال الثروة السمكية الهائلة في شواطئ الجزيرة، لكن السوفيات لم ينفذوا الاتفاقية حتى عشية قيام دولة الوحدة بين اليمن الديمقراطية والجمهورية العربية اليمنية.
وفي عام 1975م وقّعنا اتفاقية للتنقيب عن النفـط في جـزيرة (سقطرى) مع شركـة (سيابينس) الكندية. بعد عام مكثته هُناك بحثاً عن النفط انسحبت منها، ويبدو أنها لم تكن تبحث عن النفط بقدر ما كانت مهتمة بالتحقق من وجود أو عدم وجود قواعد سوفياتية في الجزيرة، ولما لم تجدها قررت الانسحاب!
بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973م بين العرب وإسرائيل، أبدى السوفيات اهتماماً بمسألة القواعد، ولكن هذه المرة انصبّ اهتمامهم على جزيرة (بريم) التي تتحكم في مضيق باب المندب. كذلك اهتم بها المصريون، وطلبوا مرابطة بعض سفن أسطولهم الحربي البحري فيها. طرح الروس تطوير جزيرة (بريم) من الناحية الدفاعية بإقامة منشآت عسكرية فيها، وأخذوا في كل لقاءاتهم معنا يلمّحون إلى الجزيرة، إلى درجة أن رئيس هيئة الأركان العامة لقواتنا المسلحة «صالح أبو بكر بن حسينون» تضايق من هذه المسألة في عام 1974م، إذ جاءني وقال لي: «الروس يتحدثون عن جزيرة (بريم) وكأنها خارج اليمن. إيش حكايتهم بالضبط؟»، وأضاف بهدوء وسخرية معهودة فيه: «إذا كان وجودها سيسبب لنا المشاكل فسوف نربطها بحبال ونسحبها!!».
وبعدما طرد الرئيس الصومالي «سياد بري» الروس من «بِرْبرة» والتخلص من كل خبرائهم في عام 1977 إثر هزيمة الصومال في حرب «أوغادين» مع إثيوبيا، أضحت المطالب السوفياتية شديدة الإلحاح، وقد طلبوا منا نقل منشآتهم العسكرية في ميناء «بربرة» إلى عدن، وإنشاء أحواض عائمة لإصلاح سفنهم الحربية.
لم نتوصل إلى أي اتفاق، فتعثرت المفاوضات بشأن المسألة. وكان السوفيات قد نقلوا منشآتهم من ميناء (بربرة) الصومالي إلى جزيرة (دهلك) الإثيوبية بعد أن توصلوا إلى اتفاق بشأن ذلك مع الحكومة في إثيوبيا.

إغراء السوفيات والعراق مقابل جزيرة سقطرى

ويواصل الرئيس ناصر حديثه وقال:” السوفيات، على ما يبدو، لم ينسوا الأهمية الاستراتيجية لعدن، فعادوا في الثمانينيات يطرحون علينا مرة أخرى قضية التسهيلات وإقامة منشآت عسكرية في مدينة البريقة. وحددوا منطقة محددة بعينها تقع بين البريقة والحسوة في العاصمة عدن لكي يقيموا فيها محطة رصد للأقمار الصناعية. كانوا قبل ذلك في عام 1978م قد طلبوا منا السماح لطائرتين استطلاعيتين بالقيام بأعمال الرصد والتصوير والمراقبة للأسطول البحري الحربي الأميركي في المحيط الهندي.
ويكمل الرئيس قوله :” بينما كنت في زيارة لجمهورية الهند الصديقة، وصل إلى عدن في 23 آذار/مارس 1983م نائب وزير الدفاع السوفياتي، القائد العام لقوات الأسطول البحري الحربي السوفياتي أدميرال البحر «جورشكوف»، وقد استقبله في غيابي «علي عنتر» بوصفه نائباً لرئيس الوزراء. وبحث الاثنان موضوع التسهيلات والمنشآت التي يريد الروس إقامتها في عدن. أبدى «علي عنتر» حماسة للموضوع بمنح الروس التسهيلات التي كانوا يلحّون في طلبها. في تقديري إن ذلك لم يكن إلا نوعاً من المزايدة السياسية لاستمالة السوفيات في صفّه وصفّ عبد الفتاح بعد التقارب بينهما وبروز الخلاف بيني وبينه إثر إقالته من منصبه وزيراً للدفاع في عام 1982م.

دهاء علي ناصر مع السوفييت

ويوضح الرئيس في حديثه:”بينما كانت المباحثات في طور الإعداد عدت إلى عدن، وعلمت بموضوع الزيارة، كذلك علمت بحماسة «علي عنتر» لمنح الروس تسهيلات عسكرية والسماح لهم بإقامة منشآت في عدن، متجاهلاً موقفنا المبدئي من ذلك، وتعقيدات المسألة والمرحلة السياسية التي تمرّ بها البلدان العربية التي لا يسمح فيها بمزيد من الأخطاء السابقة.
استقبلت قائد الأسطول الحربي البحري السوفياتي على الفور في 27 آذار/مارس وتطرقت معه إلى موضوع التسهيلات والمنشآت العسكرية التي يسعون لإقامتها والحصول عليها.
قلت له: أياً كانت الأسباب التي تجعلكم تلحّون في هذه الطلبات، فليس من مصلحتكم أن تستفزوا مشاعر الناس. مهما حاولنا أو حاولتم إخفاء الأمر، فسوف يعلم كل الناس به وبوجودكم، وذلك ليس في مصلحة بلادنا. ليس من مصلحتنا أن تخلقوا المصاعب في طريقنا بعد الانفراج الذي حدث في علاقاتنا بدول المنطقة… وإذا أصررتم على هذه المسألة، فإن هذا سيؤثر على الصداقة بين بلدينا.
وأضفت:
إن الخبرة التكنولوجية متوافرة لكم بشكل كامل للقيام بما تريدون، ومراقبة الأميركان وغير الأميركان، دون أن تكونوا في حاجة لإقامة تلك المنشآت على أراضينا.
هكذا حسمت الموضوع. ولتخفيف وقع رفضي عليه، منحته وسام الصداقة بين الشعوب في حفلة أُقيمت في دار الرئاسة، وعاد إلى بلاده والوسام الوطني يلمع فوق صدره بدلاً من التسهيلات العسكرية التي جاء للحصول عليها!

العراقيون عيونهم على عدن

ويستطرق الرئيس ناصر في حديثه قائلا:” لم يكن السوفيات وحدهم الذين تفتحت عيونهم على الأهمية الاستراتيجية لعدن وجزرها، بل طرح علينا الرئيس العراقي صدام حسين في عام 1977م فكرة إنشاء قاعدة جوية وبحرية للعراق مُقابل دعم مالي ليس له حدود يقدمه إلى بلادنا. بعد مداولات استغرقت عاماً كاملاً، عرضت القيادة على العراقيين منحهم تسهيلات في ميناء (بئر علي) التاريخي المشهور، شرقي عدن.
ومضى الرئيس يقول :” أصرّ العراقيون على جزيرة (سقطرى)، ومقابل إغرائنا بالموافقة عرضوا علينا سرب طائرات «ميغ» وكتيبتي دبابات، وأبدوا استعدادهم لتقديم دعم مالي بلا حدود مقابل منحهم الجزيرة لاستخدامها قاعدة بحرية وجوية، لكننا رفضنا ذلك، فلم نكن واثقين بسياستهم وأغراضهم من وراء ذلك، وقد ساءت علاقتنا بالعراق فترة من الوقت بسبب هذا الرفض.
كانت معظم الأسباب التي استند إليها العراقيون لطلب تلك التسهيلات في بلادنا، وتحديداً في جزيرة (سقطرى)، كما شرحوها لنا، تتعلق بوجود خطر إيراني على العراق ودول الخليج الأخرى ومضيق هرمز. كان عدم امتلاك العراق لمنفذ بحري، لا يعطيه وضع الدولة الفضلى في أية مواجهة مستقبلية على صعيد معادلات الصراع الإقليمي، وتزعّم منطقة الخليج العربي.

العراق وإيران

ويسترسل الرئيس علي ناصر حديثه ويقول :”: يبدو أن العراق كان يراقب من كثب التسلح الإيراني الهائل أيام الشاه، وكان ذلك يثير مخاوفه ومخاوف دول الخليج الأخرى، خصوصاً مع ازدياد الادعاءات الإيرانية بفارسية الخليج واحتلاله عدداً من الجزر العربية الإماراتية: «طمب الصغرى، طمب الكبرى، وأبو موسى» في عام 1971م، وصمت دول الخليج حينذاك. وسرعان ما نشبت الحرب العراقية- الإيرانية المعروفة بحرب الخليج الأولى عام 1980م بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وما أعقبها من محاولات تصدير الثورة وتعميم النموذج الإسلامي الثوري الإيراني في المنطقة، وهي الحرب التي استغرقت قرابة 8 سنوات وأنهكت قوى كلتا الدولتين. ولم يكن هذا بعيداً عن سياسة الولايات المتحدة الأميركية القائمة على ضرب الدولتين الكُبْرَيَيْن وإضعافهما في منطقة النفط، في حرب خاسرة لا منتصر ولا مهزوم فيها، بما عرف بسياسة الاحتواء المزدوج.
الخلاصة أن موضوع وجود قواعد سوفياتية في أراضي اليمن الديمقراطية كان ترويجاً إعلامياً سيئاً بثته أجهزة المخابرات ووسائل النشر الغربية، وأصبحت محط اهتمام العالم الذي وجه إلينا الانتقادات المُرة دون أن يتبين الحقيقة.

اتهام بلا دليل

واختتم الرئيس الاسبق علي ناصر حديثه معنا في هذه الحلقة وقال :” كان إخوتنا في بعض دول الخليج أول المتأثرين بتلك الدعاوى. قال لي أمير البحرين ذات يوم: نسمع أن عندكم قواعد سوفياتية!
أجبته: نحن أيضاً نسمع أن عندكم قواعد أميركية!
قال: عندنا بعض قطع البحرية الأميركية، وليس عندنا قواعد.
أجبته: نحن أيضاً متهمون مثلكم!
في عام 1978م استقبلت في عدن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ومعه خالد الحسن. كان الاثنان قادمين من السعودية. أخذا يتحدثان عن قلق الإخوة السعوديين بشأن وجود قواعد جوية وبحرية وبرية للروس في اليمن الديمقراطية، وحدثاني عن مخاوف أخرى لديهم مما سمّوه وجود قوات روسية وكوبية وإثيوبية على حدودنا مع السعودية وعُمان.
قُلت لهما:
اسمعا ما سأقوله لكما جيداً، وبلِّغا ذلك إلى الإخوان في الرياض. نحن على استعداد لاستقدام وفد منهم ومن الأخوة العُمانيين ومن الفلسطينيين طرفاً محايداً، وليستقلوا طائرة تطوف بهم على حدودنا معهم دون تدخل منا، وإذا وجدوا القواعد والقوات التي يزعمون وجودها عندنا، فنحن على استعداد لإخراجها فوراً، لكنني واثق تماماً، أنهم لن يجدوا شيئاً على الإطلاق.
ضحك خالد الحسن الذي كان وثيق الصلة بالسعوديين وقال:
كلام الأخ الرئيس علي ناصر صحيح! هم أيضاً يعرفون أن لا وجود لتلك القواعد، لكنهم يخافون أساساً من نهجكم السياسي. والأفضل أن تعملوا على تحسين علاقاتكم بالدول المجاورة.
كان بوسع الأميركيين والغرب عموماً الحصول على المعلومات التي يريدونها عن بلادنا في أي وقت يشاؤون. فقد كانت عندهم الإمكانات، والأقمار الصناعية، ووسائل التجسس الحديثة الإلكترونية، وأيضاً مصادرهم الدبلوماسية والاستخبارية التي تستطيع أن تكتشف أي شيء، ولو اكتشفوا وجوداً لقواعد سوفياتية عندنا لما سكتوا ولأقاموا الدنيا دون أن يقعدوها.
الحقيقة أن المشكلة لم تكن في وجود قواعد للروس في عدن، فقد كان الأميركان أعلم الناس بعدم وجود تلك القواعد، بل في طبيعة النهج السياسي الذي كنا نتبعه، الأمر الذي كان يخالف الأهداف الأميركية والغربية، فقرروا محاربتنا بكل الوسائل المتاحة لديهم.
حاولت المعارضة خارج البلاد في صحفها ووسائل ترويجها استثمار هذه المسألة، لكنها لم تكن تجد من يصدقها لافتقارها إلى الموضوعية، ولأن الناس كانوا يعرفون الحقيقة ويستطيعون التمييز بين الحقيقة وتصدير الأكاذيب. وهكذا فإن الدعاوى الأميركية والغربية بوجود قواعد سوفياتية في عدن ملأت آذان العالم للتغطية على أعمال أخرى كانت السياسة الأميركية تنفذها في المنطقة لحماية مصالحها حتى تجد مسوغاً لوجودها المستمر.
في دبــي التقيت في 21 شباط/فبراير 2015 السيد ديفيد الذي كان ملحقاً عسكرياً في السفارة الأميركية بصنعاء بحضور زوجته السيدة أبريل المستشرقة والباحثة في شؤون اليمن والمنطقة وبحضور السفير حسين الفضلي، وصادف ذلك يوم هروب الرئيس عبد ربه منصور هادي من صنعاء إلى عدن، وكانا يتابعان تحركاته وتنقلاته حتى وصوله إلى عدن، وقد دهشت من اتصالاتهما الكثيرة بعدد كبير من القيادات اليمنية شمالاً وجنوباً، وكنت أعرفهما جميعاً وتحدثت مع بعضهما، وتساءلت مع نفسي: هل هذه صداقة شخصية مع هاتين الشخصيتين الأميركيتين فقط؟!
تحدث معي السيد ديفيد عن الجنوب وعن زيارته لجزيرة سقطرى، فسألته عن مخلفات القاعدة السوفياتية فيها، فأجاب: لا توجد قاعدة سوفياتية.
فسألته: كيف كنتم تخوفون الشعوب بهذه القواعد الوهمية؟
أجاب: لا توجد قاعدة سوفياتية.
فقلت: كيف كان الإعلام الغربي والقيادات في الغرب تروّج تلك القواعد الوهمية حيث لا يوجد في الجزيرة ماء ولا كهرباء ولا طرقات ولا موانئ ولا مطارات؟
قال: الزمن زمن الحرب الباردة، وهذه هي القصة كلها.

(للحديث بقية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار
Copyright © 2023 perfect click | powered by perfect click. One of the primary drivers of ott subscription pricing is the tiered structure. Sonic forces running game 4.