من قصص الواقع.. نوّارة(٨) “بين الأطلال”
عدن توداي:
بكتبها ( حسين السليماني الحنشي
وصلنا الى قريتنا، فإذا هي أشباح واطلال خاوية، وقد خرج أغلب سكانها، فزدادت سوءا، والجوع قد كلح بوجهه في كل الزوايا!
فاقترح علي جدّي أن أنزل من جديد إلى (أبين) فذهبت أمشي أكثر من أسبوع، من “شبوة” إلى (أبين) في طريق مجهول، يشوبه الخوف من المتقطعين الذين ينهبون ما معك وقد يقتلونك حتى على قطعة (خبز) أنه الجوع ! فكان زادي في سفري هذا لاشئ ، كنا مثل الحيوانات تأكل ماهو أمامها ، نأكل من أوراق الأشجار وإذا أقتربنا من المزارع نأكل منها ونمضي، وفي ذات مرة اقتربت من مزرعة كان أغلب الزرع فيها من (الذرة) أقتات ما أستطيع منها!
وخرج علي صاحب المزرعة ووضع الخنجر برقبتي حتى أحسست بالموت، وأمرني بأن أضع ما بيدي ووضعتها…
كان يستطيع قتلي لو أنني كبير في السن، لكن حينما استسلمت له أمرني بوضع السنبلة….
لم يكن دم الأطفال محرم بين بعض الأشخاص فقد قتل الكثير منهم بنفس هذه الطريقة التي وجدني عليها صاحب المزرعة.
رجعت إلى منطقتي ولم أستطع مواصلة السير أكثر من أسبوع إلى أبين.
كانت أمي قد أخبرت الجد بوفاة أبنها، وأخبرته بأبنتها “نوّارة” فقد كفلتها عائلة كريمة وأمينة.
وأخبرته كيف كان قتل ولده، وجعل الجد يخفض من حزن الأم.
قال الجد: سأذهب أجتني لكم “الدوم” (وهو ثمر شجر السدر).(العلب) كما يطلق عليه في حضرموت وشبوة وأبين.
وحين عاد جدي بعد قطع المسافة الشاقة إذ به ينتفض من الحرارة،
كانت الأم تضع “الدوم ” في فمه لعله يأكل، لكن الأجل كان أسرع، ومات الجد وحبات الدوم في فمه لم يتمكن من بلعها!
وماتت الفرحة بسرعة، وجاء الناس حولنا حين سمعوا صراخ الأم وحملوه، ثم ذهبوا وتركونا في القرية وحدنا .
وانضمّت أجسادنا واجتمعت علينا الأحزان، وتجاوبنا الدموع تلك الليلة الموحشة، لنستيقظ في الصباح على موت البعير الوحيد الذي نملكه…
كان البعير قد جلس للموت بجوار قبر الجد!
بعدها رحلنا في حرّ الشمس نسير على الأقدام دون بعير يحملنا أو يحمل متاعنا، حتى وصلنا إلى قرية مجاورة لنا، حينها رأتنا عجوز ورأت أجسادنا العارية تصهرها الشمس فقالت: يا ولدي؛ اترك أمك الضعيفة معي فقد قتلتها الشمس، واذهب لعلها تتعافى مما قد أصابها من السير والجوع والحزن الظاهر عليها، ثم تعود إليها، فتركتها!
ذهبت إلى أرضي من جديد لعلي أجد بعض أفراد قبيلتي
فلم أجد الكثير منهم، ووجدت خالي كان قد أتى لزيارتنا إلى القرية المهجورة، من قرى شبوة وأعلمته بوفاة والدي وجدي وأخي الصغير؛ فبكاء بحرقة وأمسى يبكي حتى أشرقت الشمس، ثم عدت بعد أيام ألتمس أمي وخالي معي عند العجوزة فأخبرتني أنها ماتت بسرعة بمجرد فراقي لها!
سقط خالي فبكاء بحرقة…
وللقصة بقية.