تكريس الجهل ومضاعفة التجهيل
بقلم/الدكتور عوض أحمد العلقمي
لقد قيلت اليوم في أحد المنتديات ، في حي من أحياء معشوقتي عدن ، تواجد في المنتدى أكثر من عشرين رجلا ، من محافظات مختلفة ، كلهم وطنيو الهوى والهوية ، قرأت من أقوالهم ، حرصهم على الوطن ، وتذمرهم من الوضع الراهن الذي لايرضي شيخا ولايسر رضيعا ، فتح باب النقاش ، فتوجه الشيخ ماجد بسؤال للعميد منير الحضرمي ، أظن أنك يافندم منير تعلم جيدا ماهية النماذج التي تشكلت في حاضرتنا بفعل الحرب والممول ؟ أجل ياشيخ ماجد أعلم ذلك جيدا ، ولا أظن أن أحدا يجهل مايحصل هنا ؛ إنها أمور يندى لها الجبين … لكن يافندم منير هلا حدثتنا عن التشكيلات التي تم إنشاؤها في حاضرتكم ؟ حقيقة ياشيخ ماجد الأمر عندنا مختلف جدا عما يحصل في حاضرتكم ، مع أن الممول واحد في الحاضرتين ، إلا أن رجال حاضرتنا استطاعوا أن ينتزعوا هامشا من حرية إنشاء التشكيلات والتدخل في بنائها ، من ذلك ؛ إبعاد الطائشين من شباب الصرفة واستبدالهم بكوادر أمنية وطنية مؤهلة ، عدم السماح للممول بالتدخل في كل شيء ، كذلك يستطيع حاكم الحاضرة أن يزيح أي شخصية مستهترة ، ويضع مكانها شخصية وطنية تحترم الثوابت ، وتضعها في أولويات مهامها ، بعكس مايجري في حاضرتكم … وتوجه متحدث آخر من زملاء العميد منير الحضرمي بالسؤال إلى صبيح ؛ ترى ما أسباب هذا التباين في تسيير الأمور بين الحاضرتين مع أن الممول واحد ياصبيح ؟ أجاب الأخير بالقول : لقد عرف بعض القائمين على أمور حاضرتنا بالمزايدة والتطرف إلى درجة لايقبلها العقل ولا المنطق بل تجده يسلك الشطط والتطرف حتى في طقوس العمالة ، فضلا عن أن العقود الماضية شهدت تكريسا للجهل ومضاعفة للتجهيل ، الأمر الذي جعل الناشئة أو الجيل الجديد يجد نفسه فجأة مجردا من هويته وثقافته وتاريخه ، جاهلا كل شيء عن نفسه بل وعن ماضيه ، ينظر وينتظر في الوقت نفسه لعله يعثر على من يقتاده أو يسوقه . أما حاضرتكم فإنها تتميز بأمور كثيرة ، منها على سبيل التمثيل ؛ أنها تتكئ على موروث حضاري وسياسي واقتصادي واجتماعي كبير ، ربما سبق التاريخ نفسه ؛ لذلك تجد رجالها ينظرون بعيدا في أثناء تفكيرهم ، واتخاذ قراراتهم ، فلا يخطون خطوة إلا وقد أخضعوها للدراسة المتأنية ، وعلموا مخاطرها ومنافعها بصورة واضحة لا لبس فيها …… وقبل هذا وذاك ، اعلم يا أخي أن السائس الأكبر للممول قارئ جيد لتاريخ المنطقة و عالم بمناخها و سالك لتضاريسها ؛ لذلك تجده يفصل لكل واحد الثوب الذي يناسبه ، ويختار له اللون الذي يروقه ، وقبل ذلك ينتقي له الخامة التي تليق به ……… فضلا عن أن الجيل الذي وضع على رأس الهرم ربما لم يقرأ ولم يسمع يوما قول أبي فراس الحمداني :
ونحن أناس لاتوسط عندنا ** لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وإن قرأ فإنه لايفهم شيئا ……………….