<data:blog.pageTitle/> <data:blog.pageName/> - <data:blog.title/>
رئيس التحرير | جمال المارمي
اخبار وتقارير

تحقيق استقصائي.. انتشار مُنفَلت للعلامات المُقلَّدَة في اليمن (صُنع في القبو)

(عدن توداي)

تحقيق أحمد عوضه وشيماء القرشي

في ضاحية نائية عن العمران شرق مدينة صنعاء، يجثم مبنى مستطيلٌ ضخم من الطوب المُصْمَت، يعلوه سقفٌ مثلثٌ من الصفيح، وفي الواجهة ينتصب بابٌ معدني، يبدو من بعيد كأنّه يبتلع مركبات الشحن التي تدخل المبنى ثمّ يوصد في إثرها، بينما تخلو جميع الواجهات الخارجية من أيّ لافتة أو لوحةٍ تعبّر عن هوية الكيان المبهم، عدا ما يمكن أن تستشفه بمحض الاقتراب وسماع هدير الآلات، لتعرف أنّ مصنعاً بالداخل.

كان هذا المكان، مُنتهى الخيط الذي قادنا إليه بحثنا عن مصدر إنتاج أحد منتجات التعقيم المنتشرة في السوق المحلية باسم ديتولز (dettols)، يتمّ إنتاجه في هذا المصنع التابع لشركة يمنية تدعى “أريج اليمن لصناعات المنظفات المحدودة”، وهو منتج مقلّد عن العلامة التجارية الأصلية “ديتول” (dettol) المملوكة للشركة البريطانية ريكيت بنكيزر، مع فارق زيادة حرف (s) في نهاية الاسم المقلَّد.

بالتحرِّي عن العلامتيْن في سجلات وزارة التجارة والصناعة اليمنية التي سُمِحَ لنا بالاطّلاع عليها (شرط عدم تصويرها)، وجدنا أنّ اسم علامة ديتول تمّ تسجيله رسمياً عام 2014، كما تمّ تسجيل شكل العلامة عام 2020، عبر مكتب أبو ستة وشركاه (بيانات للملكية الفكرية حالياً)، لصالح الشركة الأصلية المالكة للعلامة، في حين لا وجود لأيّ توثيق رسمي للعلامة المقلَّدة ديتولز.

يحدث هذا في الوقت الذي يعيش فيه اليمن حرباً طاحنة منذ عام 2015، طالت تبعاتها مجمل الميادين الحياتية لليمنيين، بما فيها النشاط التجاري الذي غَلَب عليه طابع الانفلات، على نحو انتشرت معه التجاوزات غير القانونية، وعلى رأسها تقليد العلامات التجارية.

معاذ الأغبري، مندوب مكتب “بيانات للملكية الفكرية”، قال -رداً على سؤالنا عن موقفه حيال تقليد العلامة المُسجَّلة عبر مكتبه- إنّ تكرار التعدي على علامة ديتول بشكل مستمر؛ جعل الأمور تخرج عن السيطرة، “استمرار التعدي على العلامة اكسبها طابع التداول؛ حالياً نلجأ لحماية الاسم التجاري، أما بالنسبة لديتولز فيُعد تقليداً واضحاً للاسم والعلامة التجارية معاً”.

يُوْضِحُ الأغبري أنَّه من الممكن أن تمارس بعض الشركات أشكالًا من التقليد المشروع، شرط أن يتوفر لها حقّ الانتفاع بالمنتج من قبل الشركة الأم، لكن حتى اللحظة لا يوجد مصنع يمني مُنِحَ حق الانتفاع بعلامة ديتول، مُبيناً أنّ نظيرتها المُقلِّدة (ديتولز) غير مسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة، وغير حاصلة على امتيازات من الشركة الأم، حدّ قوله.

إلى هنا، صارت مهمتنا تقتضي التركيز على معرفة الكيفية التي تتمّ بها عملية التقليد؛ لذا كان لا بدّ من إيجاد طريقة للوصول إلى داخل مكان الإنتاج (المصنع)، وبالفعل نجحنا بعد ثلاثة أيام من المحاولة في إقناع مدير المصنع، الذي وافق على السماح لنا بالدخول بوصفنا صانعي محتوى، كما سمح لنا بأخذ جولة داخل المصنع للتعرف على عملية الإنتاج شرط عدم التصوير.

عوضاً عن ذلك، لجأنا إلى طريقة لا تخلو من المخاطرة، وهي التصوير السري باستخدام كاميرا المحمول. كان المصنع مجهزاً بكامل خطوط الإنتاج من آلات مزج المواد الأولية، وصولاً إلى التعبئة والتغليف، ما يعني أنّ عملية التقليد كاملة تتمّ داخل المصنع الذي تبيّن لنا أنّه ينتج عشرات الأنواع من المنظفات غير ديتولز.

خلال حديثنا مع مدير المصنع عن تقليد الاسم والتصميم الصناعي الخاص بعلامة “ديتول”، قال إنّ المصنع لديه ترخيص رسمي، وعلامة “ديتولز” مسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة، وحين طلبنا أن يعرض علينا الترخيص الذي بحوزته، رفض بشكل قاطع، واكتفى بالتأكيد على أنّ كلّ ما يخص الإنتاج في المصنع يتمّ بشكل قانوني وسليم.

حديث مدير المصنع عن سلامة أموره القانونية رغم وجود تقليد واضح يتعارض مع القانون، كان يَحْتَمِل فرضية وجود تواطؤٍ ما من جانب الجهة الرسمية المختصة بإصدار التراخيص؛ الأمر الذي حَمَلنا على العودة مجدداً للبحث بشكل أوسع حول كل ما يتعلق بشركة “أريج اليمن لصناعات المنظفات المحدودة” في سجلات وزارة الصناعة والتجارة، مع التركيز أكثر على قسم العلامات التجارية.

في هذه المَرَّة عثرنا على العلامة الخاصة بمصنع “أريج اليمن لصناعات المنظفات المحدودة”، ضمن طلبات تسجيل العلامات التي قُدمِت إلى الوزارة وتمّ رفضها، أي أنّ المصنع يمارس عمله دون ترخيص، وهو ما يفسّر خلو واجهاته الخارجية من أيّ اسم أو علامة تعبر عنه. عثرنا فقط على علامة تجارية تدعى “مايسترو” ، ملكيتها مسجلة بالاسم الشخصي لمدير المصنع، لكن لم يسمح لنا بالتصوير كما في المرة السابقة.

صُنِعَ في القبو!

العلامة المقلّدَة “ديتولز”، لم تكن سوى واحدة من أصل 61 علامةً تجارية مقلّدة عملنا على رصدها خلال تسعة أشهر من العمل على هذا التحقيق؛ الذي يكشف الغطاء عن ظاهرة تجارية غير قانونية، تتعلق بقيام شركات ومعامل داخل اليمن بتقليد علامات تجارية مملوكة لشركات محلية وأجنبية أكثر شهرة، على نحوٍ يهدد التنافس السوقي، ويخدع المستهلك بمنتجات مشكوك في جودتها، وبمعدل انتشار متصاعد.

ما يميز التقليد عن التزوير، أنّ التقليد لا يجنح للتطابق الكامل، بقدر ما يتعلق بالتعديل الجزئي في هيئة العلامة الأصلية بالمقدار الذي يخلق تضليلاً لدى المستهلك، أي أنَّ فكرة التقليد تتعلق في معظمها بالشكل الخارجي للمنتج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار
Kas yra blackwolf ?. Basic to intermediate knowledge. This allows ecommerce businesses to provide a safer shopping experience for their customers.