في ذكرى الفقيد طه فارع
عدن تداي- كتب: عوض أحمد العلقمي
المنتديات الثقافية أو النوادي ، هي ذات جذور أصيلة أو متأصلة في الثقافة العربية بل كانت ومازالت تعبر عن مرتكز مهم أو عمود من أهم أعمدة الهوية العربية ، لقد كان للأمم البائدة ؛ مثل عاد وثمود ناديهم الذي يجتمع فيه القوم لمناقشة القضايا الطارئة ، واتخاذ القرارات الصائبة التي تتبلور بعد سماع الآراء المختلفة من كبار القوم وحكمائهم ، وكذلك قريش وناديها في أم القرى إذ كان ذلك النادي يضم كبار القوم وحكماءهم ؛ مثل أبي سفيان ، وأبي جهل ، وأبي لهب ، وعتبة ، والوليد بن المغيرة ، وغيرهم من سادات قريش ، غير أن نادي قريش مع كثرة انشغاله بقضية الساعة آنذاك ، قضية الإسلام السامية ، بل قضية الأمة الكبرى ، إلا أن ذلك النادي ومنتسبيه ، مع ما أهدروا من الجهد والوقت والمال ، كانت النتائج كلها تصب في مستنقع جهل رسالة الإسلام ، وتكذيب الصادق الأمين ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، وانسحب عليهم معنى المثل الذي يقول : ” تمخض الجبل فولد فأرا ” وظفر بتصديق رسالة الإسلام ، واحتضان النبي الهمام ، أهل يثرب ، أهل الحكمة والإيمان ، أهل الموروث والحضارات وكبار الأحلام ، أما حاضرة بحر العرب فقد كان لها نصيب من تلك النوادي الثقافية والأدبية ؛ كالنادي الأدبي العربي برئاسة الأمير أحمد فضل القمندان الذي أسس في أوائل القرن المنصرم ، ونادي يعرب بن قحطان وغيرها من النوادي التي بلغ عددها العشرات ومازال امتدادها إلى يومنا هذا… معذرة أخي القارئ إن أسهبت في التوطئة ، أعود بك إلى سردية الليلة ، استلمت دعوة من أخي العزيز المثقف المخضرم الأستاذ عبد العزيز النامس ، يدعوني للحضور إلى نادي الجازم في الشيخ عثمان عصر يوم الأربعاء الموافق 31 أغسطس 2022 للميلاد ، لحضور فعالية ثقافية في ذكرى وفاة الأديب والمطرب العدني طه فارع ، وفي أثناء فتح المظروف والاطلاع على الدعوة ، عرج بي الخيال في ملفات الذاكرة ، الأمر الذي جعلني أربط نوادي عدن الثقافية ، المنتشرة في مديرياتها ، العامرة بمثقفيها ، بالنوادي العربية التي عرفتها الأمة من أزمان بعيدة ، وحقب تاريخية مديدة ، حضرت إلى نادي الجازم ، المتواضع في شكله ، ابتداء من سلمه المعدني ، الملفوف حواليك كالأفعى ، الذي يرافقك ويضيق عليك ، منتصب إلى الأعلى بشكل عمودي حتى تفارقه في الطابق الثاني إذ تجد نفسك فجأة واقفا إجباريا باتجاه القبلة ، على يمينك أعضاء المنتدى وضيوفه وعلى شمالك مصلى ، رحب بي نجل الفقيد ، وكذلك عميد المنتدى الذي كان يتكئ على يمينه ، وقبلهما كان في استقبالي صديقي وأخي الأستاذ عبد العزيز النامس ، الذي اجتزأ لي قليلا من متكئه ، وأجلسني إلى جانبه ، نظرت إلى مساحة المنتدى وإذا بها تزدحم بعشرات الحضور ، معظمهم شيوخ مسنون ، تقرأ في وجوههم ، وأشكالهم ، وملابسهم ، معاناة الوطن ، وبؤس ساكنيه ، بدأت الفعالية بمحاضرة قيمة ، ألقاها علينا الأستاذ القدير أحمد سعيد ، تناول فيها ثقافة الفقيد طه فارع ، وضلوعه في الشعر والأدب والموسيقا ، فضلا عن تاريخه الفني وإسهامه في إشهار الأغنية العدنية وتلحينها ، ثم إخراجها بصوته الشجي المؤثر في المتلقي – المستمع – وملامستها لمشاعره وأحاسيسه ، ثم أدار الفعالية بأسلوب حضاري راقي ، ينبئ بثقافة القوم العالية ، التي لاتتناسب مع بساطة أشكالهم ، وخلق ملابسهم ، لكنها تشي بثقافتهم العالية ، ومنزلتهم الأدبية السامية ، بعد ذلك خصص الأستاذ القدير أحمد سعيد وقتا كافيا لمشاركة الحضور ومداخلاتهم التي أبرزت منزلة الفقيد طه فارع الثقافية والفنية والأدبية ، فضلا عما تميز به الفقيد من أخلاق فاضلة ، كان أول من أمسك بمكبر الصوت من الحضور ليتحدث عن تاريخ حياة الفقيد الأستاذ الأديب الفنان محمد محسن عطروش ….. فشكرا لنجل الفقيد الذي أحيا هذه الفعالية ودعا لها ، وشكرا لعميد نادي الجازم الذي استضافها …