الأرض ..الأرض ياشباب !!!
بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي
في ليلة مظلمة من ليالي الصيف الأرعن ، ليلة توقفت فيها نسائم الهواء – على قلتها – تماما ، الأمر الذي جعل النظر يعجز حتى عن الظفر برؤية وُرَيقة واحدة من أغصان الأشجار تتحرك ؛ لِعِلتين اثنتين ؛ الأولى ظلمة الليل الحالكة ، والأخرى غياب نسائم الهواء . فضلا عن السكون المخيف الذي صاحب ظلام الليل ، إلا ماكان من انتشار جيوش البعوض التي تجاوزت أعدادها المليارات ، وذلك الطنين والرنين الذي تُصدره تلك الجيوش في أثناء مهاجمتها البشر ، بعد أن هيأ لها ؛ الظلام ، وانعدام الهواء ، وطفح مجاري الصرف الصحي ، وخروج منظومة الكهرباء المتكرر عن الخدمة ، المناخ المناسب ، والزمن الذي لايتكرر لتحقيق النصر على هذا الشعب المغلوب على أمره . في هذه الليلة التي كثر شرها وانعدم خيرها ، نادت الأم سعيدة أبناءها ، وطلبت منهم أن يعدوا فرشا طيبا وغطاء ناعما على سطح المنزل ، ثم أمرتهم بمساعدة أبيهم الحاج سعيد على الصعود إلى السطح لكي ينام ، بعد جُهدٍ جَهيد من مقاومة الأب لمهاجمة البعوض من جهة ، وسخونة الطقس من جهة أخرى ، غلبه النوم فهجع ، لكن هجوعه لم يدم طويلا ، إذ صحا القوم على صرخاته القوية المرعبة ؛ الأرض .. الأرض .. الأرض ياشباب … !!! كانت الحاجة سعيدة ، أول من سمع صرخات الحاج سعيد ، ثم أولادهما . صعد الجميع إلى سطح المنزل ، وبعد أن هدٌأُوا من رَوع الأب ، سألوه ؛ ما الذي حصل ياحاج سعيد ؟ أجاب بالقول : إن ماحصل مجرد رؤيا ، عودوا إلى نومكم ، وسوف أحكيها لكم في قادم الأيام …
مَرت الشهور والسنون ، وكبر الأولاد وأصبحوا شبابا أقوياء ، في الوقت الذي أضحى الأب طاعنا في السن ، ويعتمد على الرجل الثالثة كثيرا في أثناء ذهابه إلى الأرض وإيابه ، فضلا عن عجزه في فلاحة الأرض وزراعتها . أما أولاده فقد صرفتهم التكنولوجيا الحديثة عن مساعدة أبيهم في فلاحة الأرض ، بل مسخهم الغزو الفكري الغربي والإعلام الهابط عن التفكير السوي وإدراك مدى أهمية الأرض للإنسان ، الأمر الذي جعلهم يفكرون في الجلوس مع والدهم ؛ ليقنعوه بتوزيع الأرض بينهم وتقسيمها عليهم …
السلام عليك يا أبانا ، وعليكم السلام يا أبنائي الأعزاء ، مرحبا بكم بعد غياب ، هاه ، ما الذي جاء بكم ؟ أهي الزيارة أم لأمر آخر ؟ أجل يا أبانا ، لقد جئنا لزيارتك أولا ، ثم لأمر آخر نود طرحه عليك . وما ذاك الأمر أيها الشباب ؟ عسى أن يكون خيرا ، أجل هو خير يا أبانا … تَنَحنحَ أكبرهم سِناً – بعد أن برك على رُكبتيه – وأكثرهم لعوادي الدهر مَداسا ، وأقربهم من دهاليز الخيانة مِرَاسا ، ثم قال : أبانا الكريم ، إن الدهر قد نال منك ، ولم تعد تستطيع الحفاظ على الأرض أو فلاحتها وزراعتها بالطرائق الحديثة المتطورة التي من شأنها تحسين جودة الثمار وغزارة الإنتاج ؛ لذلك رأينا أنا وإخوتي أن تُقَسم الأرض علينا ، ونحن بعد أن يأخذ كل واحد منا نصيبه ، لاريب إنه سيتولى فلاحة أرضه ، وتحسين أدائها ، والحفاظ عليها ، فضلا عن إننا سنبقى نحسن إليكما أنت وأمنا السعيدة إلى أن تلقيا ربكما . أليس ذلك أفضل يا أبي ؟ مع أنني أشك في نجاح مشروعكم هذا أيها الشباب ، ولكن ليس لدي خيار آخر ، وما الذي يجعلك تشك في نجاحنا يا أبانا ؟ مع أنكم أصبحتم شبابا أقوياء البنية ، لكنكم مازلتم قصيري النظر فيما أظن ؛ لذلك أخاف عليكم من عوادي الدهر ، وزوابع الرياح الرملية ، والعواصف القوية الممطرة ، بل وأكثر من ذلك ، كخداع الغرباء ، وحقد الأعداء ، وتضليل السفهاء … أيها الشباب !!! إن أرضكم هي عرضكم و شرفكم و كرامتكم و عزتكم ، وقبل ذلك هي هويتكم …حذارِ حذارِ أن يدب الخلاف بينكم ، فتذهب ريحكم ، وعند ذلك سوف تصبحون لقمة سائغة للأعداء ، ومطمعا مُربحا للغرباء . وقد آن الأوان لأحكي لكم رؤياي في تلك الليلية الصيفية الرعناء … للحديث بقية …