هل هذه عدن؟

بقلم: حسين السليماني الحنشي
سؤال يتبادر إلى الذهن ممن عرفوا عدن!
نعم، سوف تسألنا الطرقات والميادين، التي كنا نهتف فيها، بل لازال صدى أصواتنا يتردد في شوارع تلك العاصمة المخطوفة، منذ الوحدة بين نظامين في صنعاء وعدن ، عطّلوا كل جميل فيها، بل وفي اليمن…فلازالت صور من أستشهدوا من أجل الكرامة بجنبات الطرق وعلى حيطان الشوارع ، لازال الشعب يبحث عن النظام في الجنوب، حتى صار ما صار من انتهاك الحرمات ليست في مداهمة الساكنين ، بل الأنين الذي تسمعه على مدار الساعة، لفقدانهم للخدمات، أين هي عدن التي عرفت الحياة المدنية بكل تفاصيلها وصورها ؟ أين تلك الكلمات التي يرددها من يريد الذهاب الى عدن؟
أين الكلمات التي يتغنى بها الناس لطالما كانت أناشيد نرددها؟ أين أحلامنا والتمني الذي كنا نتمناه بزيارة ولو في العمر مرة إلى عدن، [عدن عدن وياليت عدن مسير يوم] ، [يا طائرة طيري على بندر عدن]
لقد عرفت عدن النظام إبان السلطات التي تداولت الحكم…. وحتى بعد الانقلابات إذا وقعت، والخلافات السياسية ، لكنها كانت دولة على مافيها من أخطأ كبيرة إن افترضنا هذا… فزالت تلك دولة في يوم من الايام، على يد من استرعاهم الناس امناء على دولتهم، لكن كانت أجساد تلك الأصنام قد نبتت من الجرم وتربت على الدماء، واليوم وكأن تلك الأجساد تم استنساخها، وكان ماكان من معاناة يدفعها الشعب دون جرم اقترفه. إن عدن لم تشهد هذه الأوضاع من قبل … وبقي الإنسان العدني كما كان أصل العلم والمعرفة والتعايش، لا تعرف (عدن) أنها فوق الآخرين، وكأن ما يحدث فيها من حوادث، تظل محبة للسلام والحياة، لقد استقرّ في أعماقها وفي نفوس من سكنها الحب …
هل عرفت ـ عدن ـ من أبناء جلدتها التسابق على نهب المصالح العامة والبناء العشوائي؟ وهي من عرفت المدينة الحديثة على مستوى الجزيزة العربية ، وهل أهل الجنوب يأتون إلى مدينتهم الوديعة من أجل الخراب، بل كنت أنا أحدهم ممن زار عدن، وكنت من سكان القرى ،كان أبي من رجال القرية يلبس لبسها ويحمل خنجره وبندقيته، وحين أتت لنا الزيارة إلى عدن التي نحلم بدخولها ، في الصباح رأيت أبي قد وضع جانباً خنجره وبندقيته…
تساءلت، ما هذا يا أبي، فهل تذهب بهذه الحالة؟!
يقول لي أبي: نعم، يابني أنها عدن من دخلها كان آمنا، حتى أنا كنت البس الملابس الجديدة…
تدخلها اي عدن وانت نظيف القلب والبدن! لا تجد القوات العسكرية المتعددة الملابس والأشكال، في الطرقات تتسابق للنهب ، ولا تسمع أصوات الاسعافات من كل حدب وصوب، ولا تسمع للمفرقعات صوتاً، أما إطلاق الأعيرة النارية فهذا كان بالنسبة لعدن محرم سماعه! واليوم لاتعرف سيارات الإسعافات، أو الدفاع المدني من سيارات الأجرة، والدراجات النارية، والهوائية يقودها أطفال وشباب ألكل يشتري فالسوق مفتوحة….
مثلها مثل الرتب العسكرية، هذا بلون وذاك بلون آخر حسب الطلب والموظة، وأغلب المارين من العسكر يحملون رتب أكبر من العمر الافتراضي لهم….
هل هذه هي عدن؟!
لا ماء، لا كهرباء، لا طرقات، لا اسواق مرتبة، لا شوارع نظيفة، الكل يبني حيث يريد، لا يمنعه أن الكابلات الكهربائية أو أنابيب المجاري…
عدن تختطف كل يوم منا، نطالب بإعادة المدينة إلى ماكانت عليه، وهذا مطلب أغلب الجمهور الجنوبي عن بكرة أبيه، يريد إجابة شافية ممن يمسك بزمام الأمور في هذه المدينة؟
سؤال ينطق به الكثير من شعب الجنوب الباحث عن النظام والدولة، منذ بدايات الحراك الجنوبي السلمي!
سؤال للأسف تكرر ضد من كنا زمان نعدهم من الاشرار!
سؤال هو: أين هي عدن التي عرفها العالم؟
أين عدن، يعني أين الدولة؟
أين المؤسسات ؟
(أين) يتكرر صدها اليوم في سماء عدن المسالمة!
مدينة التعايش على الرغم من اختلاف من يسكنها، لكن عند انهيار الدولة، تسقط الاخلاق واذا سقطت الاخلاق فهي مثل الخيمة تسقط على رؤوس الجميع؛ بل إن كل دولة يكتب تاريخها ويفتخر بها الجميع وتظل تلك الأشخاص المناضلة رموزاً للوطن يعرفها الشعب بكل مناسبة.
وهكذا كانت الأرواح تحب عدن المستقرّة، لمن أسسوا فيها النظام، إن عدن بحالها هذه البائسة وهي تنظر لمن حولها من المدن العربية التي نشأت…
لماذا يأفل مجدها ؟
وكان حقا لها أن تزدهر فيها المدينة، كانت تحتضن العلماء بل فيها أعلاماً ارتضعوا الحياة المدنية، وتسلحوا في أخلاقهم وتعاملاتهم بالدين ، فلا تجد للكذب مكاناً، فسار ذكرهم في الآفاق، وكلما ذُكروا ذُكرت مدينتهم الوديعة (عدن) …
فهل عدن اليوم بها أعمالاً لا تعرفها ؟!
الإجابة للأسف الشديد ، نعم….