هل تشكل الهجمات الأمريكية “الفصل قبل الأخير” في حرب اليمن؟ .. تقرير

عدن توداي / تقرير / عبد السلام قائد
دخلت حرب اليمن مرحلة جديدة بعد الهجمات الأمريكية ضد مليشيا الحوثيين، وهو ما يمكن اعتباره “الفصل قبل الأخير” الذي سيحدد ملامح مستقبل الصراع. هذه الهجمات، مهما كانت أهدافها التكتيكية قصيرة الأمد، قد تساهم في تغيير مسار الحرب بشكل كبير من خلال كسر الجمود العسكري والسياسي الذي دام سنوات، مما يعيد رسم موازين القوى في صراع تجاوزت تداعياته حدود اليمن نفسها.
اليمن، بعد الهجمات الأمريكية التي استهدفت الحوثيين منذ منتصف مارس الماضي، أصبح أمام تحدٍ إستراتيجي جديد. هذا التحدي سيحدد ما إذا كان هذا الفصل سيسهم في تحقيق السلام أو سيدخل البلاد في دائرة جديدة من الصراع. وحتى إذا تم التوصل إلى حل سياسي، فإن الحسم العسكري سيظل خيارًا حتميًا في النهاية، إذ إن الحوثيين لن يقبلوا بالسلام إلا كتكتيك مؤقت. الحسم العسكري سيحدث عندما تتبلور الظروف الملائمة، فالحروب في التاريخ لا تستمر إلى الأبد مهما كانت العوائق.
هل اقترب الحسم المؤجل؟
يأتي التدخل العسكري الأمريكي في وقت حساس للغاية، حيث لا ترغب السعودية والإمارات في تصعيد الوضع عسكريًا لعدة أسباب، ولا الحكومة اليمنية الشرعية أو المكونات المناهضة للحوثيين مستعدة لخوض معركة حاسمة ضدهم بدون دعم خارجي. من جانبهم، كان الحوثيون قبل الهجمات الأمريكية الأخيرة على استعداد أكبر من أي وقت مضى لخوض معركة واسعة ضد خصومهم في الداخل، رغم الارتباك الذي تسببت فيه الهجمات الأمريكية. وهم ينتظرون التوقيت المناسب لبدء معارك جديدة بعد انتهاء التصعيد الإقليمي.
أما إيران، التي ترى في الحوثيين آخر حصن لمشروعها في المنطقة، فقد تدفعهم نحو التصعيد العسكري لصالحهم إذا انتهت أزماتها الداخلية والدولية. أي مكاسب حققها الحوثيون ستكون مكاسب لإيران أيضًا، وستساهم في إعادة بناء قوتها في المنطقة.
معركة الحسم قادمة لا محالة
لا يبدو أن هناك خيارًا آخر غير معركة الحسم. الهجمات الأمريكية ضد الحوثيين أنهت الجمود الذي كان يعيق اندلاعها لفترة طويلة. مع استمرار التوترات، ستظل المعركة المؤجلة هي الخيار الذي يخشاه الجميع. وإذا كانت السعودية والإمارات لا ترغب في خوض المعركة، فقد تكون المليشيا الحوثية هي التي ستبادر بشنها، مما سيجبر الأطراف الأخرى على الانخراط فيها.
وقد يستغل الحوثيون هذا التوقيت لإشعال المعركة في الداخل بعد انتهاء تصعيد الحرب في غزة. لكن رغم استعدادهم، فإن الهجمات الأمريكية قد أحدثت تأثيرًا كبيرًا على استعداداتهم وقلصت من فرص نجاحهم في خوض معركة واسعة على الأرض.
إذا لم يتم القضاء على الحوثيين في هذه المرحلة أو تقليص نفوذهم، فإنهم سيعملون على إعادة بناء قوتهم وتحضير أنفسهم لشن معارك جديدة، مع التركيز على جبهات رئيسية ستكون بمثابة بداية جديدة للصراع.
منعطف جديد في الحرب اليمنية
منذ بداية “عاصفة الحزم” قبل نحو عشرة أعوام، شهدت الحرب اليمنية تحولات كبيرة، بما في ذلك التصعيد والتراجع والتصدع بين الأطراف. المرحلة الأخيرة شهدت نوعًا من الجمود، والذي لم يكن يعني الاستقرار بقدر ما كان يعكس الإرهاق المتبادل للأطراف وتآكل الخيارات المتاحة. التدخل الأمريكي الأخير قد يكون قد كسر هذا الجمود، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع قد تنتهي إما باتفاق سياسي أو بتصعيد أكبر.
تأثير التدخل الأمريكي على الأطراف الرئيسية
التدخل الأمريكي ضد الحوثيين أحدث ارتباكًا في موازين القوى داخل اليمن. من جهة، الحوثيون يظهرون موقفًا متماسكًا ولكنهم في الواقع في حالة من القلق والتردد. بينما السعودية والإمارات تتبنيان الحذر، حيث لا ترغبان في أن يؤدي التصعيد إلى تقويض التفاهمات التي أُبرمت مع الحوثيين في السنوات الأخيرة.
أما الحكومة اليمنية الشرعية، فهي ترى في التدخل الأمريكي فرصة لإعادة تحفيز الدعم الدولي لقضيتها، لكنها تدرك أن أي عملية عسكرية يجب أن تحظى بدعم إقليمي. أولويات واشنطن لا تتطابق تمامًا مع الأولويات اليمنية.
ما بعد التدخل الأمريكي
الهجمات الأمريكية ضد الحوثيين كسرت الجمود العسكري والسياسي، مما جعل اليمن أقرب إلى مرحلة “الفصل قبل الأخير” في حربه المستمرة. هذه المرحلة قد تؤدي إلى الحل النهائي أو قد تكون مقدمة لصراع أكبر. الاحتمالات لا تزال مفتوحة على عدة سيناريوهات.
في حال تحقق الحل السياسي، فسيكون ذلك بعد تكبد الحوثيين خسائر كبيرة، مما سيدفعهم لقبول السلام، لكنه سيكون فقط تكتيكيًا لتعويض الخسائر وبناء قوة جديدة لشن معارك أكثر ضراوة. وفي حال رفض الحوثيون التنازل، أو إذا زادت الضغوط العسكرية، فقد تشهد الحرب تصعيدًا عسكريًا في جبهة الحديدة أو جبهات أخرى.
وفي كل الحالات، سيكون تدخل أمريكا قد دفع الأطراف لإعادة تقييم إستراتيجياتها، مما يعني أن الحرب اليمنية قد اقتربت من مرحلة مفصلية جديدة، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا التدخل إعلانًا لنهاية الصراع، بل قد يكون تمهيدًا لفصل نهائي سيعتمد شكله على نتائج هذه المرحلة.