أيها السادة، يا من توارى كباركم و صغاركم عن الأنظار هروبا من شبح كوفيد طائر يقبض الأرواح دون رحمة، فهاهم ناشئو اليمن يتنفسون رائحة البارود في ملاعب ترابية و يستعدون برباطة جأش يحسدون عليها لنهائيات أمم آسيا ، يداعبون حلما موندياليا طال انتظاره ، يركضون تحت دانات المدافع و أزيز الطائرات و السيارات المفخخة، وهم يصرخون في وجه العالم الذي تخلى عن طفولتهم و أحلامهم في وطن لم يعد سعيدا :
أبدا لن نتوقف ..
لن يهزمنا وباء كورونا ولا شبح الحرب و المجاعة ..
في زمن الهجرة إلى العزلة، و الهجرة إلى عالم مخيف مرعب، يخالف ناشئو اليمن العالم الذي تخلى عنهم وجلس زعماؤه يتفرجون على أشلاء اليمنيين وهي تتمزق ليلا ونهارا بفعل حماقة الفرقاء السياسيين ، لقد راوغ هؤلاء الفتية الصغار الموت ، دائما يحملهم معه و يحملونه معهم إلى الملاعب الترابية و المعشبة صناعيا، لكنهم لا يبالون به ، سواء جاء من السماء في صورة قذيفة هاون بنيران صديقة، أو من الأرض على هيئة لغم مزروع في الملعب، فهم يؤمنون بالقضاء خيره وشره ، ففي ظل عيشة ضنكا تصعب على الكافر، فالموت بكورونا يتساوى في زمن الحرب مع الموت جوعا، الأمر في كلتا الحالتين سيان ..
تعرفون حكاية أسماك السلمون ، تلك الأسماك التي تهاجر كل عام من مكان إلى آخر، قاطعة آلاف الأميال غير آبهة بما يسقط منها من ضحايا ، ناشئو اليمن مثل تلك الأسماك، يتنقلون من ملعب إلى آخر في رحلة محفوفة بمخاطر الأمراض الفتاكة الأشد ضراوة من المجاعة، فيسقط منهم من يسقط، لكنهم أبدا لا يتوبون ، فكرة القدم سلواهم الوحيدة في زمن الحرب الطاحنة ، عشقهم السرمدي الذي ينسيهم للحظات زمن المجاعة و الجوع و انهيار الاقتصاد و انخفاض العملة اليمنية إلى ما دون الصفر ..
وصحيح أن ظهور فيروس (كوفيد 19) كان ظهورا مباغتا لعشقهم الكروي (دخلت الجائحة اليمن في 5 إبريل 2020) ، لأنه راح يتوغل في الملاعب المفتوحة بسرعة فائقة وسط ظروف بيئية سيئة للغاية، بفعل الأزمات التي تصعنها الحروب عادة، إلا أن لاعبي صغار اليمن سرعان ما خالفوا القاعدة الشهيرة (خليك بالبيت)، لأسباب تتعلق بالحاجة أحيانا و بضيق ذات اليد في أغلب الأحوال ..