الإتـقــــــان.. بقلم/عبدالسلام فارع
عدن توداي
بقلم..عبد السلام فارع
تواصلا لخطب يوم امس الجمعة المواكبة والمتميزة في مسجد المجمع التربوي بتعز واصل الدكتور القدير عبد
البديع التركي تالقه الملحوظ في مخاطبة المصلين حيث
قال ..
اللقاء الثاني مع الاتقان
عنوان خطبتنا
كيف نصنع الاتقان فينا وفي اولادنا ومن نعول .
إخوة الاسلام
الاتقان خلق الهي من اخلاق الله وصفاته
لذا يقول الله تعالى
الله الذي أتقن كل شيء
فلا غرابة أن يطالب الله منا أن نكون من المتقنين المتقين
وان الاتقان لكي يكون واقعا عمليا يحتاج إلى صناعة وإشراف ومتابعة
وتعاهد الأعمال وعدم تركها أو إهمالها .
لذلك قال الله لي ولك
مطالبا إياي واياك بالاتفان
ولتصنع على عيني
ما أحوجنا لهذا الخلق الذي جعله الله من صفاته في كل أعمالنا
ولتصنع على عيني
ايها الأب ما احوجك لمتابعة اولادك في كل شأن من شؤون حياتهم ومنها الشأن التعليمي
الذي ملئ بالغش
الغش الذي هو عكس الاتقان ومناهضا له
قل لولدك يا ولدي الله تبارك وتعالى يريد منا احسن العمل وليس اردأ العمل
قال الله تعالى
ليبلوكم أيكم احسن عملا
انا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا .
اذن الله ابتلانا على ظهر هذه الدنيا لنقدم احسن ما عندنا
وليس اسوأ ما عندنا
اخو الاسلام الايات الداعية الاتقان كثيرة والإشارات في القرآن كثيرة ومنها قول الله تعالى
واصطنعتك لنفسي
هذا القول هو قول الله يقوله لنا وقد قاله لموسى كليمه عليه الصلاة والسلام
إخوة الاسلام
انظروا لهذا الكون العظيم حولنا
هل كان له أن يكون بدون اتقان
ماذا لو كان هناك خللا في أي جزئية من اجزائه
هل كان سيستمر
ما كان له أن يستمر ابدا ابدا والخلل حاصل فيه
ولذا كانت الإشارة لقضية الاتقان في أكثر سور القران الكريم تكرارا من العباد
سوره الكهف التي سن لنا رسولنا الكريم أن نقراها كل جمعة
بل وجعل قراءة بداياتها وسيلة من وسائل النجاة من الدجال
وفي تلك السورة قال الله
الحمدلله الذي…….
الا تشعرون من قوله ولم يجعل له عوجا أنها دعوة إلى الاتقان
عدم وجود الاعوجاج في الشئ أي أنه متقن لا اعوجاج فيه ولا خلل ولا غش
دعوني اقولها لكم صريحة ايها الناس
النجاة من الدجال لن يكون من نصيب الغشاشين
وانما من نصيب المتقين المتنقنين
نعم إخوة الاسلام
الاتقان مطلب مهم من مطالب هذا الدين لكي ننجو من الدجال وأعوانه وأتباعه
وربنا تعالى حين وجه رسوله أن يسن لنا قراءة بدايات سورة الكهف إذا ظهر الدجال إنما أراد أن نتسلح بمثل هذا السلاح
الاتقان
واقراوا معي بقية الآيات العشر الأولى من سورة الكهف
إخوة الاسلام
الخلل في الصنعة تدل على الخلل في الصانع
وحاشاه سبحانه أن يرضى لنفسه أن يكون في خلقه خللا
وهو كذلك لا يرضى منا أن يكون في صناعتنا خللا وفي تربيتنا خللا
ووالله أن واقعنا يقول لنا أن الخلل قد طال كل حياتنا
فالخلل صار فينا ثقافة
اليس الغش خللا
الستم معي أن الغش صار ثقافة مجتمعية
بالله عليكم هل يمكن لحياة أن تستقيم في ظل وجود الغش
انظروا كيف ربط الله بين الاستقامة وعدم وجود الخلل في سورة الكهف
درس لنا يا عباد الله أنه لا يمكن أن تستقيم حياة أو تنهض
أمة أو تزدهر حضارة أو تبنى أوطان إلا عندما يكون الصدق والأمانة من أهم الصفات التي يجب يتحلى بها أفرادها ، وتصبح واقعاً وسلوكاً عملياً في حياتهم ..
وانظروا في تاريخ الأمم والدول والشعوب كيف تطورت وارتقت وازدهرت ..!!
وكيف سعدت في حياتها وماذا قدمت للإنسانية من حولها ؟
فهل يعتقد مثلاً أن تزدهر اليابان وكوريا والصين وأوربا وأمريكا دون أن تكون هاتين الصفتين متوفرة في أبنائها ، فتربوا وتثقفوا عليها حتى وإن كان هدفهم وغايتهم من التخلق بهذه القيم والأخلاق غير مرتبط بأوامر الدين ورضا الخالق سبحانه وتعالى ، وكانوا يريدون بها الدنيا ،
لكنهم أدركوا أنها قيم إنسانية لا تقوم الحياة إلا بها فالتزموها في أمور حياتهم .
لذلك نجد هذا التطور العمراني والصناعي والزراعي والقانوني والعسكري والاقتصادي والتكنولوجي والسياسي والاجتماعي في حياتهم ،،،
وقدموا للبشرية والإنسانية الكثير من الاختراعات والصناعات في شتى نواحي الحياة ،
ونجد أنها في قمة الإتقان والإجادة والفاعلية ،
وأصبحنا نتصور أنه لا يمكن أن يغش العامل الياباني في مصنع السيارات أو الأدوات أو الآلات !
لا لأنه يعلم أن له رباً يراقبه !!
ولكنه تربى على ذلك واستشعر دوره في الإرتقاء بوطنه والتفاخر بمنجزاته .
وانظروا مثلاً شركة تويوتا تسحب كل السيارات من الأسواق لسنة 2010م وعددها 12 مليون سيارة حول العالم حين تم إكتشاف خطأ تقني في دواسة البنزين وهو خطأ خطير على سلامة السائق .
ولأول مرة يقدم مدير شركة تويوتا إعتدار لزبائنه ويعدهم بعدم تكرار هذه الأخطاء ..!!
كم ستكون خسارة الشركة بسبب قيامها بسحب هذه السيارات ؟
إنها ملايين الدولارات ..
وقامت شركة الأدوية السويسرية “نوفيرتيس” بسحب المستحضر الدوائي المعروف باسم “اكس درين” والمستخدم في علاج مرض “الشقيقة” الصداع النصفي من الأسواق..
وجاء قرار سحب الدواء من الأسواق وفقا بسبب خلل في عملية إنتاج الدواء ..
هذه أمثلة فلماذا قاموا بذلك ؟
ما هو الدافع وراء ذلك؟
لماذا يحبون أن تكون أعمالهم متقنة؟
إن السبب وراء ذلك هي القيم والقوانين التي تربوا عليها ،
وكذلك سعيهم للتميز بين دول العالم ،
وكذلك البحث عن المصلحة والمنفعة …
وانظروا إلى شركات الطرق في بلادنا ..
فالشركة الصينية عملها منذ عشرات السنين قوى ومتماسك ومتقن ،
والشركات المحلية ما إن تنتهي من عملها وإذا بالحفر والمطبات والتشققات والإنحرافات تملىء الطرق والشوارع …
لماذا ؟
ما هو الفرق ؟
وقيس على ذلك الكثير من الأعمال والمشاريع ،
مع إدراكنا بأنه يوجد في مجتمعاتنا من استطاع أن يجود من عمله ويتقن في أدائه وينافس الآخرين…
أيها المؤمنون /عبــــاد الله :
ونحن المسلمين أولى بأن نكون على قدر كبير من العمل والإبداع والإتقان ،
فإلى جانب أن سنة الحياة لا تقوم إلا على القيم العظيمة ، ومنها الصدق والأمانة ،فإننا مأمورين شرعاً بهما في سائر حياتنا ،،،
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119) .
إلى جانب أن الإسلام حرم الغش والخداع قال تعالى( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينْ . الّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) (المطففين:1-3)…
ولقد حذر رسولنا الكريم الغشاشين أيما تحذير يوم قال
في رواية: «من غشنا فليس منا»
وفي رواية: «ليس منا من غشنا» (رواه مسلم)..
وأمتنا عندما كانت بهذه القيم والأخلاق كانت تسود العالم في جميع جوانب الحياة ،
وازدهرت علومها وصناعاتها ومخترعاتها وأنظمتها ،
ومكث العالم يأخذ ويستفيد من هذه الأمة قرون من الزمان ،
حتى دب الضعف والخور والركون إلى الدنيا وفسدت عندها الكثير من القيم والأخلاق ، ومنها الصدق والأمانة ..
فرأينا إنحطاطا أخلاقياً وسياسياً وفساداً اجتماعياً ، وضعفاً في التعليم وتأخر في الصناعات والاختراعات والطب والهندسة وغير ذلك .
وأصبحنا عالة على أمم الأرض وأصبحت ظاهرة الغش والخداع من صفات الكثير من مجتمعاتنا .
فتجد بعض الأطباء يقصر في عمله ويغش في أدائه ولا يتعب في تشخيص المرض وتحديد الداء ووصف الدواء ، ليكسب شيء من متاع الدنيا قليل .
وتجد بعض المهندسين يغش في عمله ، ويبرم صفقة مع المقاول على حساب الفقراء والجوعى والأيتام .
وتجد التاجر يأتي بالمواد الرديئة والمنتهية الصلاحية ويغير في تاريخها أو غلافها ، ثم يبيعها للناس دون خجل أو حياء ، ويظن في نفسة أنه في قمة الذكاء والشطارة ، ويحلف الأيمان المغلظة على صدقه .
وتجد بائع الخضروات يخفي التي بها عيب تحت السليمة ويبيع للناس ولا يدرك أن هذا من الغش الذي حرمه الله ورسوله .
والصيدلي يبيع الأدوية المهربة والمقلدة للمرضى وأصحاب العاهات ولا يشعر حتى بتأنيب الضمير .
وهناك من يغش في المعاملات ويزور في الوثائق ، أهم شيء أن يصل إلى مبتغاه ويحقق هدفه .
وهناك صور كثيرة من الغش
هناك الغش السياسي والإعلامي والاقتصادي وغش التابع للمتبوعين والغش الأسري والإجتماعي… وهناك غش في التعليم غش في بناء الأجيال
غش في الامتحانات
عبــــــاد الله :
من صور الغش ما يحدث في امتحانات الطلاب من غش وتزوير وبيع ذمم وتسابق الناس إلى الغش على أنه حق وشطارة ، حتى لم يعد الغش في الامتحانات مطلب للطلاب المهملين والضعاف والمتغيبين ،
بل تجد أن هناك من الآباء والأسر من يدعم ذلك ، وتشجع على الغش وتبذل الأموال والهبات ليغش أبناؤها دون حياء أو خجل .
أصبح البعض من الطلاب والبعض كثير كثير يعتمدون على الغش الذي أصبح ظاهرة اجتماعية وثقافة مجتمع ..!!
فماذا حدث بسبب ذلك ؟
دمرنا أجيالنا ،
وأضعفنا التعليم ،
وأفسدنا القيم ،
وجنينا على الوطن بإخراج جيل يتعلم الغش من الإبتدائية إلى الجامعة …
الأمر الذى أدى إلى ظهور نتائج أكثر خطورة على الفرد والمجتمع ، تتمثل في ضعف صلة العبد بربه ، ومحاربة الفضيلة ،
وسيؤدي استمرار الغش إلى تحول المجتمع من خصائصه الحضارية إلى مجتمع همجي يغيب فيه دور العقل في كل مجالات الحياة ،
ويصبح الفساد والرشوة هما العرف السائد في المعاملات ،
ويسود الظلم وضياع الحقوق ،
وتنمى القيم والعادات السيئة ،
ويتحول الغش إلى عادة حميدة يتفنن فيها الغشاشون ،
ويتفشي الغش في المجتمع في المجالات المختلفة ،
وتنتشر البطالة والتطرف بين الشباب ،
ويعم الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، وتضعف الروح الوطنية،
ويقل استشعار المسئولية في كثير من المواقف التي تواجه الشخص الممارس للغش،…
وبسبب الغش تظهر قيادات هزيلة في المجتمع،
ويوضع الرجل الغير مناسب في المكان المناسب ، وتتحول عملية التعليم إلى تجارة رخيصة .
وتظهر الأخطاء المهنية القاتلة والمدمرة من قبل غشاشين ، كالطبيب الضعيف ، والمهندس الضعيف ، والمعلم الضعيف ،
ويتسبب الغش في تكوين أمة متخاذلة ضعيفة في مواجهة تحديات العصر ،
وبسبب الغش في الاختبارات نجد المتخرجين الفاسدين في المجالات المختلفة ..!!
فيظهر (المعلم الفاسد والقاضي الفاسد والمهندس الفاسد والمدير الفاسد والطبيب الفاسد والضابط …) .
وبهؤلاء تتعقد الحياة وتزداد المشكلات وتتهدم الحضارة الإنسانية .
فهل من مراجعة للأخطاء وتصويب للأعمال والتربية الجادة على القيم ، وإتقان الأعمال واستشعار المسئولية أمام الله والوطن والأجيال .
-:(( الخطـــــــبة الثانية )):-
كيف نصنع الاتقان فينا وفي أجيالنا وكيف نعالج ظاهرة الغش التي هي عكس ونقيض الاتقان؟
إخوة العقيدة والدين
لن يكون علاج مثل هذا الداء العضال إلا بإيقاظ الضمائر وإحياء جانب المراقبة عند الأفراد،
فيعلم كل فردٍ أن الله مطّلع على أعماله وسوف يحاسبه،
ويتزامن ذلك مع إيجاد عقوبات رادعة تُعاقب كل من سوّلت له نفسه خيانة الأمانة،
وقيام أجهزة الضبط والمتابعة ،
وتحسين وتجويد التعليم ،
وإيجاد المدرسة الجيدة والمعلم الكفؤ والإدارة الناجحة ،
والمتابعة المستمر من أولياء الأمور لمستوى التحصيل العلمي لأولادهم طوال العام الدراسي ،
وعلينا أن نستوعب جيداً أن رقي الأمم والدول والشعوب وتطورها لم يكن إلا بتربية جادة وعمل متقن وضمير حي واستشعار المسئولية أمام الله والوطن والأجيال …
صناعة الاتقان في الجيل القادم في أولادك يكون بالتالي
1/ بتربية الأبناء منذ الصغر على ذلك
2/ تحميل الأبناء المسؤولية منذ الصغر و تربيتهم على ذلك ثم محاسبتهم
3/ اشعار الأبناء دوما بأن الانجاز والارتقاء لا يكون إلا مع الاتقان
4/ تدريب الأبناء على معاقبة غير المتقن وفقا لقوانين واضحة
5/ إيقاظ الضمائر وان نجعل من الضمير ضابط حي عند الأبناء
6/ التشجيع وسياسة الثواب والتحفيز لمن أتقن وهذا لا يكون إلا بالمراقبة المستمرة
7/ تربية النفس على مراقبة الله تعالى
8/ تربية النفس على المحاسبة قبل اللقاء بربنا جل وعلا
9/ تجسيد القدوة والاتقان أمام الأبناء أو العيش في كنف القدوات ومصاحبتهم
أما انت يا من تريد أن تكون متقنا في عملك فإليك بعض نصحي عسى ولعل تكون من المتقنين
/ركز على عملك في الوقت الحاضر واياك والقلق من المستقبل الذي لم يأت بعد أو الانشغال بماض قد رحل
/ ابحث دوما عن طرق جديدة للإبداع والابتكار
/ حب العمل اصنع الشعف
/ كن منسجم مع ذاتك
/ احط نفسك على الدوام بأشخاص متقنين ايجابيين
وابن علاقات قوية مع من حولك
/ التعليم لا ينقطع لبناء عقليتك لابد من مهارات جديدة وهوايات جديدة
/ استمتع بإنجازاتك ولو كانت صغيرة
/ أعط لنفسك فرصة للراحة بشكل متوازن ولابد من التوازن الصحيح لين حياتك المهنية والشخصية
تقبل الأفكار الجديدة واستفد من الفرص التي يجلبها التغيير
واخيرا حدد أولوياتك الحياتية وقم بتقييم اعمالك وطاقاتك على نحو يمنحك السعادة والرضا عن ذاتك .