يعتقد البعض أن ما يحدث من انهيار اقتصادي وارتفاع في أسعار العملات جاء بشكل عفوي أو نتيجة سوء إدارة، لكن الواقع يشير إلى وجود قوى منظمة لا ترغب في استقرار البلاد، وتعمل على عرقلة أي إصلاحات. هذه القوى، كلما تأثرت مصالحها، تقود تحالفات مشبوهة لتواجه من يحاول تفكيكها. والدليل الأبرز على ذلك هو مزاد البنك المركزي، حيث تسيطر جهة واحدة على الكتلة النقدية، وتتحكم بها، الأمر الذي يتطلب قرارًا سياسيًا قويًا لكسر هيمنتها. هذه القوى تعبث بثروات البلد وتسعى لتحقيق مصالحها الذاتية.
ما يتعرض له رئيس الحكومة، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، من هجوم ليس إلا نتيجة لحربه على الفساد، وكانت سياساته واضحة في هذا الشأن. ولكن بدلًا من أن يتلقى الدعم من المجلس الرئاسي والقوى الوطنية الحية، واجه حملة مشبوهة ومنظمة مدفوعة الثمن من قبل بعض الأقلام المأجورة، التي تسعى لحماية الفاسدين وتشتيت الرأي العام. هذه الحملة تحاول تحميل الحكومة كافة الإخفاقات، متناسية التراكمات السابقة التي أدت إلى الوضع الحالي.
لوبي الفساد الذي يقف وراء هذه الحملة يعتمد على أقلام صفراء تدافع عن مصالحه. من أولويات بن مبارك منذ توليه المنصب تعزيز الشفافية والمساءلة وتقييم الأداء الحكومي، وهو ما أغضب أولئك الذين لا يروق لهم بناء دولة مؤسسات. دعوات بن مبارك للقضاء على الفساد، خاصة في قطاع الكهرباء، أثارت حنق الفاسدين، الذين ردوا بشائعات سخيفة لا يقبلها العقل.
من المؤكد أن فترة ما بعد انقلاب الحوثيين ولدت طبقة من الفاسدين الذين يستفيدون من معاناة الشعب، وهذه الطبقة لا تريد تغيير الوضع المأساوي الذي يعيشه المواطن. الأقلام الصفراء التي تهاجم بن مبارك هي مجرد ستار لأولئك الذين يستفيدون من هذا الوضع، ويريدون إبقاء الجنوب بدون شعب. الانهيار الاقتصادي وانهيار العملة ليسا سوى جزء من مؤامرة داخلية وخارجية لزعزعة الحكومة، التي لم يمض على تشكيلها سوى بضعة أشهر، وهي حكومة تنفيذية لا تملك قرار إحداث التغيير السياسي والاقتصادي بشكل كامل.
الحملة التي تستهدف رئيس الحكومة باتت واضحة ومكشوفة، ويقف وراءها لوبي الفساد الذي يعارض أي تغيير يهدد مصالحه. بن مبارك تولى حكومة لم يختَر أعضائها، والحملة الحالية تظهر الروح الانتقامية من القوى التي تخشى التغيير الذي قد يطالها.
بن مبارك جاء بخطة إنقاذ تهدف إلى إعادة تشغيل المرافق الاقتصادية مثل الميناء والمطار والمصافي، التي حرمت الدولة من إيراداتها وسُرِّح منها آلاف الموظفين. هذا التحرك أثار استياء الجهات التي كانت تستفيد من تلك الإيرادات.
جزء كبير من الأزمة الحالية يعود إلى غياب التوافق السياسي داخل المجلس الرئاسي، حيث يعمل كل عضو وفقًا لأجندته الخاصة. بن مبارك لا يتحمل المسؤولية بمفرده، فالمجلس الرئاسي هو الجهة الأعلى التي تستطيع وضع رؤية لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
من الجدير بالذكر أن حكومة بن مبارك نجحت في ضبط إيقاع قطاع الكهرباء واقتلاع بؤر الفساد في هذا القطاع، لكن قوى الفساد شعرت بالتهديد وبدأت بحملة تشويش لإلهاء الشارع وشيطنة رئيس الحكومة.
في الختام، المرحلة الحالية تتطلب حكومة تكنوقراط لمواجهة التحديات، وليس حكومة حزبية لم تتغير منذ أكثر من ثمان سنوات. التوافق السياسي غير المتجانس في الرئاسة هو سبب الأزمة. على الشرعية أن تجدد نفسها لتتمكن من مواجهة التحديات وإلا ستحفر قبرها بيدها.