<data:blog.pageTitle/> <data:blog.pageName/> - <data:blog.title/>
مقالاتاخبار وتقارير

حميد الأحمر وتناقضات السياسة الأمريكية في اليمن

بقلم /د. علي العسلي

قد تتفق أو تختلف مع الشيخ حميد الأحمر، لكن الأهم ألا تؤيد أبداً فرض عقوبات أمريكية عليه بسبب موقفه من القضية الفلسطينية أو دعمه لأبناء غزة، فهذا قد يقربك إلى صف المحور الصهيو-أمريكي.

الشيخ حميد الأحمر، عضو مجلس النواب اليمني، له ما له وعليه ما عليه؛ لكن من أبرز ما له أنه كان الصوت المرتفع قبل غيره في المطالبة بتغيير (صالح) بعد حكمه الذي استمر لأكثر من ثلاث وثلاثين سنة.

لقد كان الشيخ حميد في مقدمة القادة الذين ناهضوا الرئيس السابق علي عبد الله صالح قبل ثورة الشباب السلمية، فقد تصدّر الحراك، وكانت آخر تحشيداتهم في العاصمة صنعاء في الثالث من فبراير 2011 أمام جامعة صنعاء، وسميت تلك الساحة عند انطلاق ثورة الشباب بـ”ساحة التغيير”.

الشيخ حميد الأحمر – ربما – كان الوحيد من أبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر – رحمه الله – الذي لم يعتمد على مكانة أبيه في نشاطه السياسي والاجتماعي، بل دخل السياسة من البوابة الحزبية، وليس من باب مشيخة القبيلة. فهو عضو فاعل في التجمع اليمني للإصلاح، وكان سخيًا في دعم حراك التغيير الذي قاده اللقاء المشترك، مقدمًا الجهد والمال، وكان الأمين العام للحوار الوطني قبيل انطلاق ثورة 11 فبراير 2011.

أود أن ألفت انتباهكم هنا إلى تعامل الإدارة الأمريكية المتناقض في الشأن اليمني. أما موقفها من حماس والمقاومة الفلسطينية واللبنانية فمعروف، فهي تصنّف حماس وحزب الله كجماعتين إرهابيتين. وهذا شأنها. لكن ما يثير الدهشة هو تصرفاتها تجاه الحوثيين؛ فبعد أن صنّفتهم جماعة إرهابية، أعادت النظر بعد سيطرتهم بالقوة على أجزاء من اليمن، واستيلائهم على الأسلحة والمؤسسات، وقتلهم وتجويعهم للمدنيين، وتحريفهم للمناهج، وزرعهم للكراهية في الأجيال. ففي هذا الوقت رفعت الإدارة الأمريكية الحوثيين من قائمة الإرهاب.

ها هي الإدارة الأمريكية حاليًا تُهادن الحوثيين وتطلب منهم التوقف عن استهداف السفن التجارية المتجهة من وإلى الأراضي المحتلة. وقد استغل الحوثي وضع غزة وأعلن دعمه لها. بل وصل بهم الأمر إلى إعلان استهداف “تل أبيب” بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وكثيرون يستمعون لبياناتهم العسكرية في هذا الشأن تباعًا.

في المقابل، نجد أن العقوبات الأمريكية تتجه نحو المسؤولين في السلطة الشرعية اليمنية، حيث تفرض العقوبات متى شاءت وترفعها متى تشاء.
ففي الآونة الأخيرة، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضد النائب البرلماني ورجل الأعمال الشيخ حميد الأحمر، بزعم دعمه لحماس وتقديمه لبعض المساعدات لإغاثة الأطفال والجرحى في غزة، الذين يعانون من العدوان والإبادة التي تمارسها دويلة الكيان الصهيوني المزروعة من قبل أمريكا وبدعم متواصل منها.

تناقض أمريكا وهذا القرار الأمريكي قد أثار غضب اليمنيين، لأنه جاء بناءً على اتهام الشيخ بدعم المقاومة وشعب غزة المكلوم. والسؤال المطروح هو: كيف يُعاقب من يدعم مقاومة، لا احتلالاً؟ فدعم الشيخ الأحمر لغزة مبرر ومشروع، لا سيما في ظل هذه الوحشية الصهيونية المستمرة على غزة وكل فلسطين ولبنان أيضًا.

على الشيخ حميد أن يشكر أمريكا، فبعقوبتها أعادته إلى الواجهة من جديد مرفوع الرأس. فبمجرد إصدار العقوبة، تذكر اليمنيون مكانة هذا الرجل الذي غاب عن المشهد لأسباب معلومة للجميع.

وبفعلتها هذه تذكروا كل دلال أمريكا للحوثيين، وحظي الشيخ حميد بتعاطف وتضامن واسع من اليمنيين، لأن ما سببته أمريكا هو موقف جميع اليمنيين في دعم القضية الفلسطينية، وبالتالي دعم المقاومين في سبيل تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني الغاشم.

حماس، منذ تأسيسها، بغض النظر عن أيديولوجيتها، تأسست للنضال والكفاح والتضحية من أجل تحرير فلسطين. ومن من اليمنيين لا يدعمها وهو يرى وحشية هذا الاحتلال الغاشم المجرم القائم على التطهير العرقي وأعمال الإبادة؟

إن فرض عقوبات على الشيخ حميد الأحمر هو في الحقيقة شهادة تقدير لمواقفه الشجاعة في سبيل وطنه وقضايا أمته.

العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على الشيخ حميد الأحمر أعادت إلى أذهان اليمنيين ماضي هذا الرجل ومواقفه وماضي مواقف أمريكا في التعامل معه الشأن اليمني.
فقد كان الشيخ حميد سبّاقاً في قيادة حراك المعارضة من أجل الإصلاح والتغيير. لكن غيّبت الحرب العبثية الحوثية على اليمنيين التحالفات القائمة الشيخ حميد وكل الأحزاب وقادتها.

وهنا ينبغي أن يعلم كل اليمنيين أنه ما كان للأحزاب وقادتها الاختباء، وما كان للحوثي أن يستمر طوال هذه السنين، لو لم تكن أمريكا متدخلة وداعمة للحوثي.
فتلك العصابة الحوثية مدعومة بلا شك من أمريكا، بدليل تسليمها السفارة الأمريكية للحوثيين بما احتوت. ودور أمريكا في منع الجيش اليمني من دخول العاصمة صنعاء واعتبارها خطًا أحمر. كما أن اتفاق (ستوكهولم) الذي منع الشرعية من السيطرة على ميناء الحديدة هو دليل آخر على دعم أمريكا للحوثيين، على الرغم من أن السلطة الشرعية كانت على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من تحرير الميناء.

إن أمريكا، بسفورها الفاضح ضد الشرعية ومناصريها، تحتاج إلى مصارحة من قبل سلطتنا الشرعية والاعتراض على مواقفها بشأن الملف اليمني. إذ إنه مطلوب منها الإعلان بوضوح أنها ضد الحوثي المنقلب المتمرد، وأنها مع السلطة الشرعية، وأن ما يخص اليمن يأتي عبر الحكومة الشرعية، عبر نافذتها الدستورية والقانونية.

يا للأسف، لقد قامت أمريكا بتضخيم الحوثيين بادعاء عجزها عن تقليص قدراتهم، أو عبر تضخيم استهدافهم لبوارجها بين حين وآخر.

حسنًا أن أصدرت أمريكا العقوبات على الشيخ الأحمر، فأخرجته للحديث عما لاقاه بسبب موقفه الثابت الراسخ. فقد صودرت أملاكه في صنعاء وما حولها ولم يغير موقفه، وعرقلت شركاته في اليمن ولم يُهادن، وهو واقف مع فلسطين رغم هذه العقوبات المفروضة. وعلى السلطة الشرعية أن ترفض تلك العقوبات الأمريكية حتى لا تصلها.

وعلى الإدارة الأمريكية أن تتخلى عن هذه الازدواجية وهذا التناقض في مواقفها، وأن تتحمل جزءاً من المسؤولية عما يحدث في اليمن. فهي السبب الرئيسي في تأخير الحسم، كونها تستهدف الشرعية وتترك الحوثيين يعبثون بالبلاد. يجب أن تكون العقوبات موجهة إلى من يهربون الأسلحة ويتاجرون بمعاناة الشعب اليمني، وليس على من يدعمون السلطة الشرعية والقانون.

أختم فأقول: أضم صوتي إلى من طالبوا السلطة الشرعية بالدفاع عن الشيخ حميد، فهو سياسي داعم للشرعية وعضو في مجلس النواب. ويجب المطالبة بدل ذلك، بفرض العقوبات على من يستغلون الأزمات، وليس على مسؤولي الشرعية. يجب أن تتجه العقوبات إلى من يهربون الأسلحة ويتاجرون بأقوات الشعب اليمني ويمارسون تجارة السوق السوداء.
والسلام ختام..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار