<data:blog.pageTitle/> <data:blog.pageName/> - <data:blog.title/>
اخبار وتقارير

لأول مرة.. الرئيس علي ناصر يكشف تفاصيل مثيرة للجدل في معركة الوديعة

عدن توداي/ اعداد/ الخضر عبدالله
في هذه المرة يروي لنا الرئيس علي ناصر محمد، عن معركة الوديعة وضياع كوريا موريا.. وهذا ما خرجنا به في اللقاء. حيث قال متحدثاً:”
في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1969، اتصل بي الرئيس سالم ربيع علي، وقال إنّ وزير الخارجية علي سالم البيض، ومحافظ حضرموت فيصل العطّاس، موجودان عنده لمناقشة أمر مهمّ، فطلب حضوري وحضور قائد الجيش علي عبد الله ميسري. في خلال اللقاء، تحدث البيض والعطّاس عن احتلال السعودية للوديعة بعد أن احتلت الشرورة، وعن تقدُّم المملكة في أكثر من مكان في حضرموت، وأنه يجب التصدي لهذه المؤامرة وللاحتلال السعودي لأراضينا. وناقشانا في موضوع احتلال عُمان لجزر كوريا موريا شرقي المهرة التي تقع على بعد 500 كيلومتر من حدودنا، وأنْ لا بد من التحرك لاستعادة الجزر والوديعة من السعوديين والعُمانيين. وقد أعرب قائد الجيش عن استعداده ــ إذا توافرت الإمكانات ــ للتحرك إلى كوريا موريا لاستعادتها إلى سيادة الدولة في عدن، وأنه سيلقي القبض على الجنود كالفئران، فابتسمتُ وضحكتُ وقلتُ له إنني كنتُ محافظاً لهذه الجزر التي رفضت بريطانيا تسليمها في مفاوضات جنيف، بحجة أنّ هذه الجزر أُهديت من سلطنة عُمان إلى الملكة فكتوريا في القرن التاسع عشر، ولا يوجد فيها إلا فئران، يُستفاد من مخلفاتها باستعمالها سماداً، وذلك كما ورد في المعلومات التي جمعتُها بعد تعييني محافظاً. والجزر ليست آهلة بالسكان، ولا نملك قوات بحرية أو جوية للوصول إليها، وأنصح بألّا نفكر في خوض معركة خاسرة في شرق البلاد، لكن يمكن إجراء حوار بشأن تلك الجزر لاحقاً. أما الوديعة، فقد دار حديث طويل بشأنها، وكان القرار باستعادتها، وتمكنت قواتنا المسلحة بإمكاناتها المتواضعة من الاستيلاء على الوديعة وأسر كل الجنود والضباط الذين كانوا فيها من سلاح الحدود، والذين دخلوا لاحقاً إلى عدن مع سياراتهم، وأُفرِج عنهم عام 1970، حيث سُلِّموا للصليب الأحمر الدولي. لكن ردّ الفعل السعودي كان قوياً، إذ استعانت السعودية بطيارين باكستانيين في هذه الحرب، في وقتٍ لم يكن اليمن الجنوبي يملك فيه إلا طيارَين يقودان الطائرات السوفياتية ميغ 17، وأحدهما كان سوري الأصل ينتمي إلى حركة “القوميين العرب”، اسمه نوفل الهندي، وهو شقيق هاني الهندي، أحد القادة البارزين في الحركة. أما الطيار الآخر، فقد كان يمنياً يُدعى صدقة. وفي تلك المعركة أُصيب نوفل بجراح. أيضاً، لم يكن لدى قواتنا المسلحة سوى ست طائرات من طراز جت بروفست القديم، تركتها بريطانيا عند انسحاب قواتها من عدن والجنوب، ولم نستفد منها، لأنّ الطيارين الذين كانوا يستخدمونها طردهم علي سالم البيض عام 1968. وفي تلك المعركة استُشهد عدد من العسكريين، بينهم الرائد علي عوض (الشلال) ــ رحمه الله ــ الذي سُمي أحد الألوية العسكرية باسمه فيما بعد.
وفي أثناء الحرب كلّفني الرئيس سالم ربيع علي نقلَ رسالة إلى القاضي عبد الرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري في “تعز”، في الأسبوع الأول من كانون الأول/ ديسمبر 1969م.
استقبلنا رئيس المجلس الجمهوري، القاضي الإرياني في “تعز”، وناقشنا معه قضية الحرب في “الوديعة”، ورفعنا إليه طلب مساعدتنا بتكليف طيارين قيادةَ الطائرات السوفياتية ميغ 17، لتخفيف الضغط عن قواتنا العسكرية التي تخوض الحرب دون غطاء جوي، فوافق على هذا الطلب، وطلب أن ننتقل إلى صنعاء لمناقشته مع الفريق حسن العمري، ولكنه نصحنا بتجنّب الحرب مع السعودية، وبالدخول في حوار معها، لأننا عانينا من هذه الحروب مع السعودية على مدى 7 سنوات، وها نحن نُجري حواراً معها لإقامة علاقات بين النظامين، وقد كلَّف الأخوين، الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول) وعبد الكريم العنسي مرافقتنا.

جبل سمارة إذاعة صنعاء

وواصل الرئيس ناصر حديثه وقال :” بينما كنّا في (جبل سمارة) في طريقنا إلى صنعاء براً، إذ بإذاعة صنعاء تذيع أنّ “الفريق العمري” قد استقبلنا، وكادت الدهشة تصعقنا، فكيف يكون قد قابلنا ونحن ما زلنا في الطريق، وبيننا وبين الوصول إلى صنعاء بضع ساعات أخرى؟ فما كان مني إلّا أن التفتُّ إلى عبد الله عبد الوهاب “الفضول”، وكان وزيراً للإعلام، وقلت له: يبدو أنّ “الإعلام عندكم لديه قدرة فائقة على التنبؤ”، وتلقى الفضول دعابتي بروحه المرحة وبدعابة مماثلة، قائلاً: “الإعلام عندنا عنده مناعة ضد الفهم”.
في صنعاء التقينا الفريق حسن العمري في منزل متواضع من الطين، وبدا متحمّساً لمساعدتنا في الدفاع عن الأراضي اليمنية، فوعد بإرسال الطيارين الذين طلبناهم بعد العيد مباشرة، بينما معركة “الوديعة” كانت في أشدّها ولا تحتمل التأجيل. وقد أدى هذا التأخير في تقديم المساعدات التي طلبناها من الأخوة في الشمال إلى حسم القوات السعودية المعركة، وذلك بالتعاون مع الطيارين الباكستانيين، ونحن كنا لا نزال ننتظر وصول الطيارين.
بعد اللقاء مع الفريق العمري، زرنا المهندس عبد الله الكرشمي، رئيس الوزراء، وتناولنا طعام الإفطار والعشاء في منزله المتواضع. والتقينا، لأول مرة، في حفل العشاء بالشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، فوضعناهما في صورة الموقف. كان الشيخ الأحمر يتابع من خلال راديو الترانزستور أولاً بأول نشرات الأخبار التي كانت تبثّ أخبار التطورات في معركة الوديعة، وقد نصح بعدم التصعيد مع السعودية، انطلاقاً من خبرته وتجربته في الحروب مع الملكيين والسعوديين منذ عام 1962م، ولكن يبدو أنه كان يرى أنّ هذه المعركة ستؤدي إلى تخفيف العداء بينهم وبين السعودية، وينتقل الصراع من حدود الشمال إلى حدود الجنوب، وهذا ما حدث بالفعل بعد المصالحة بين الملكيين والجمهوريين عام 1970م، وكما يقول المثل: “مصائب قوم عند قوم فوائد”.
بعد هذا اللقاء انتقلنا إلى أحد الفنادق المتواضعة في قلب العاصمة صنعاء، واسمه فندق المخا، وهو صغير وفقير وإمكاناته محدودة، حتى في تقديم وجبات الطعام، فلم تُقدَّم إلينا وجبة سحور، إذ كنا في رمضان. وعند الفجر وصلاة الصبح زارنا كل من الأستاذ الفضول والأستاذ علي ناصر العنسي، وتحركنا في طريقنا إلى الحديدة، وفي منتصف الطريق طلب الفضول أن نتوقف، وطلب من السائقين أن يفرشوا لنا بعض البطانيات لنجلس ونرتاح على الأرض، وطلب منهم أيضاً إحضار بعض الطعام والمشروبات من شاي وماء لتناول وجبة الفطور في هذا المكان الذي يقع يمين الطريق، فصاح العنسي: حرام عليك يا فضول أن تُفطر ونحن لم يبقَ لنا من الوقت إلّا أقل من 3 ساعات للوصول إلى الحديدة، فعلَّق الفضول على كلامه ساخراً: والله إنك لن تدخل الجنة على أكتافنا، وربنا غفور رحيم، وليس على المسافر حرج. ولعلمك، فأنا صليت وصمت لأكثر من 40 عاماً، بينما الرسول (ص) صلّى وصام نحو 23 عاماً، “فاحسبها”. فقال القاضي: “حرام عليك يا فضول!”، ولكنه ابتسم وضحك واستسلم للفضول. وتناولنا الفطور، وواصلنا رحلتنا إلى الحديدة، وفيها التقينا بمحافظها، الشيخ سنان أبو لحوم الذي قال إنه لا يمكن السكوت عن هذه الاعتداءات، وأعلن أنهم سيقفون إلى جانبنا. وأشار الشيخ سنان إلى رفض الإمام احتلال “الشرورة” في الماضي، وقال إنّ مذكرة الإمام بهذا الخصوص موجودة في الخارجية اليمنية وفي الجامعة العربية والأمم المتحدة، إذا لم تسحب من الأرشيف، فكيف نقبل باحتلال الوديعة؟!

معركة الوديعة

ويقول الرئيس ناصر في حديثه :” وروى لي الأمير محمد الحسين أنه في أثناء معركة الوديعة 1969، اتصل به في الطائف الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وزير الدفاع والطيران، وطلب منه التوجه إلى الشرورة، فتوجه في اليوم الثاني إليها، وكان في استقباله هناك الأمير خالد السديري، أمير نجران آنذاك، وكان الهدف من هذه الزيارة طلب الدعم من القبائل الموالية له للقتال إلى جانب القوات السعودية، وقال إنّ الأمير وصل وأبلغه أنّ الأمور حُسمت، والمعركة انتهت مع النظام الشيوعي في الجنوب باستعادة الوديعة وإعادة حرس الحدود والجيش إليها، وشكر الأميرَ محمد بن الحسين على حضوره، ولكنه طلب منه أن يتحدث مع الصحافيين الذين جاؤوا لتغطية أخبار “حرب الوديعة”، وكان هؤلاء الصحافيون متلهفين لمعرفة مجريات الأحداث في المعركة، فنظر الأمير خالد السديري إلى الأمير محمد وقال له:
أسألك بالله أن تتحدث مع الصحافيين بكل صراحة وتخبرهم، هل هذه الأرض يمنية أم سعودية؟
حاول الأمير محمد بن الحسين التهرب من السؤال، وقال: “أعفني من هذا السؤال”، لكن الأمير السعودي أصرّ على سؤاله أمام الصحافيين والحاضرين!
وأمام إلحاح الأمير السديري، انحنى الأمير محمد بن الحسين إلى الأرض وأخذ حفنة من التراب، ونظر إلى الأمير خالد السديري وقال له: والله إنّ هذا التراب ملمسه يمنيّ ورائحته يمنية، وإنني أقف على أرض يمنية. فانزعج الأمير خالد السديري، وسأله: ماذا تقول يا ابن الحسين؟
قال الأمير محمد: لقد سمعتَها.
قال الأمير السعودي: قُلْها مرة أخرى! فكرّرها الأمير محمد بن الحسين على مسمع الأمير السعودي مرة ثانية، فقال الأمير السعودي: أنت بلا معروف، وتُنكر ما قدمته لك المملكة التي راهنت بملكها ومالها لتعيدكم إلى صنعاء، وهذا هو الجميل!
فردّ عليه ابن الحسين: جميلكم في أعناقنا، وفي أعناق الشعب اليمني، ولكنني لم أقل إلّا الحقيقة، لأنك سالتني بالله.
وهذه رواية الأمير عن حرب الوديعة عندما التقيتُه في حفل إفطار بمنزله في عمّان عام 1994 لأول مرة بحضور أخيه الحسن، ومستشار الملك الحسين السيد محمد السقاف والشيخ محسن أبو نشطان.
المهم أننا لم نعد إلى عدن إلا وقد انتهى كل شيء، وقُضي الأمر، وجرى فيما بعد بمبادرة من الصليب الأحمر الدولي تبادل الأسرى بين البلدين.
وكانت هذه المواجهة مدخلاً أمام تطبيع العلاقة بين الجمهورية العربية اليمنية والسعودية، فقد بدأ الطرفان في التطبيع لمواجهة ما سمَّوه الخطر الشيوعي من عدن، وأنه لا يمكن السماح بإحراق خيمة شبه الجزيرة العربية من طرفها الجنوبي، ويعني الملك فيصل بذلك أنّ النار بدأت من عدن في أقصى جنوب الجزيرة!

مصائب قوم عند قوم فوائد

وتابع الرئيس ناصر بقوله:” وهكذا يتضح أن مصائب قوم عند قوم فوائد، كما أشرتُ آنفاً، حيث بدأت صنعاء بمحاولة جني ثمار التوتر بين عدن والرياض. وخسر الجانب الملكي معركته الطويلة مع النظام الجمهوري في صنعاء وتوزع أسرة حميد الدين في كل أنحاء العالم بعد تطبيع العلاقة بين الرياض وصنعاء، وانتقل عدد كبير من عناصر المعسكر الجمهوري المعادي للمملكة (في الحروب بين عامي 1962م 1970م) إلى جانب المملكة في حروبها مع النظام في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية منذ ذلك الحين وحتى عام 1976م عند تطبيع العلاقة بين عدن والرياض، واستمروا في انحيازهم إلى جانب النظام في المملكة حتى يومنا هذا.
وبعد هذه الزيارة التقيتُ بعبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول) أكثر من مرة، وعندما أصبحت رئيساً منحتُه وسام الآداب والفنون.

قصة الفضول

وتابع الرئيس ناصر حديثه قائلاً:” والفضول مشهور بسخريته، وأتذكر عندما قلّدته وسام الفنون والآداب على صدره، سأل عن امتيازاته، وعندما عدّدنا له مزايا حصوله عليه قال إنّ أهم شيء التنباك (التبغ) والعسل اللذان كنت أهديهما إليه بين الحين والآخر.
كتب ابنه عبد الكريم نعمان في وقت لاحق: في العام الذي قلّد فيه الرئيس علي ناصر والدي وسام الدولة، طلب علي ناصر من الفضول أن يبقى أياماً معدودة (نفتهن ونخزّن ونرتاح من غير سياسة ومن غير رسميات)، وقبِل والدي بشروط ثلاثة ذات أهمية: (القات صناحفي من صبر، والتنباك من غيل باوزير، والمداع منيباري)! وكان ذلك. وفي آخر يوم قبل سفره إلى تعز بطريق البر، قال الرئيس علي ناصر:
” يا فضول، شوف ذلحين كلنا من الجنوب ومافيش أحد من الشمال أشتي أسألك بس تجاوب بصراحه إيش أحسن الجنوب وإلا الشمال؟”.
وبالطبع كان الرئيس يريد تعليقاً ظريفاً وذكياً من الفضول.
قال الفضول :
“الشمال شتات والجنوب جنون! وخاطركم”.
فهل نريد أن نعود إلى الشتات والجنون؟!! وسامحونا يا رئيس!!

ويقول الرئيس ناصر “وأتذكر لقاءً عابراً في مطار عدن جرى بين الشاعر الفضول والدبلوماسي المصري أحمد عطية المصري عندما حاول الأخير أن يحتضنه بحرارة، فقال الفضول:
ـ خليك بعيد، تشتي تقيسني علشان تروّحني بصندوق؟!
وذلك كناية عن اختطاف المخابرات المصرية في تلك الأيام في روما أحد المعارضين للنظام المصري وترحيله إلى القاهرة في صندوق.
وفي وقت لاحق كتب النشيد الوطني، وهو النشيد الرسمي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ثم أصبح بعد الوحدة نشيداً للجمهورية اليمنية. وهذه كلماته:
ردّدي أيتها الدنيا نشيدي … ردّديه وأعيدي وأعيدي
واذكري في فرحتي كل شهيد … وامنحيه حللاً من ضوء عيدي
وحدتي … وحدتي
يا نـشـيداً رائعـاً يـملأ نفسي … أنتِ عهـدٌ عالـقٌ في كل ذِمّــة
رايتي … رايتي
يا نسيجاً حكْـتُـهُ من كل شمس … اخلـدي خافقـةً في كل قِمّــة
أمّتي … أمّتي
امنحيـني البـأسَ يا مصدر بأسي … واذخريـنـي لكِ يا أكرم أمّـة
عشـتُ إيـماني وحبي أمميّا … ومسيـري فـوق دربي عربـيّا
وسيـبقى نبضُ قلبـي يـمنيّا … لن ترى الدنيا على أرضي وصيّا.

(للحديث بقية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock