الرشوش والسلته والشكشوكة العدنية وبنت الصحن تستحوذ على اهتمام ناقد المطاعم الأشهر في صحيفة نيويورك تايمز
عدن توداي/ متابعات
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالاً عن الأكل اليمني بعد زيارات متعددة لأحد المطاعم اليمنية في مدينة نيويورك، قام بها ناقد المطاعم، بيت ويلز، الذي يُعدّ أحد أبرز نقاد المطاعم وأكثرهم تأثيراً في نيويورك، بل وفي الولايات المتحدة بشكل عام.
زار ويلز المطعم اليمني “يمنات” الذي يقع في منطقة “باي ريدج”، بروكلن، وهو مطعم حديث الإنشاء، وتناول قصة تأسيس المطعم وكتب مراجعة نقدية مطولة عن المطعم والمطبخ اليمني ووجباته المتنوعة.
ويتميز ويلز بنهجه في زيارة المطاعم التي يقيّمها عدة مرات، ليجرب مجموعة متنوعة من الأطباق، ويتعمد التخفي أثناء زياراته، ما أكسبه مصداقية وموثوقية كبيرة، وجعل تقييماته موضع احترام وانتشار واسعين. وكان ويلز قد أعلن عن نيته إنهاء مسيرته المهنية كناقد مطاعم لأسباب صحية، الأمر الذي أثار فضول الكثيرين لمعرفة المطعم الذي سيحظى بشرف أن يكون آخر تقييماته قبل مغادرته المشهد.
وكانت المفاجأة عندما اختار ويلز المطبخ اليمني لهذا الأمر وقرر أن تكون آخر مراجعاته عن المطعم اليمني “يمنات” في بيريدج، نيويورك.
خصصت الصحيفة صفحة كاملة لمراجعة المطعم في نسختها المطبوعة، وكذلك على موقعها الإلكتروني، واصفة إياه بالمطبخ المتميز، واختارت يمنات ليكون ضمن قائمة توصياتها.
تناول ويلز في مراجعته الأكل اليمني بالتفصيل، متحدثاً عن الأطباق التي جربها في زياراته المتكررة، مشيداً بنكهات الأطباق المختلفة التي قد تبدو متشابهة في مكوناتها، لكنها تتميز بنكهات غنية وطريقة تحضير متنوعة، بالإضافة إلى مزيج البهارات اليمنية الفريد.
من بين الأطباق التي جربها ووصفها بإسهاب كانت السلتة والفحسة وسمك الموفى والشكشوكة العدنية، كما أعجب كثيراً بخبز الرشوش وعقدة اللحم، واستمتع بطبق الشفوت كطبق مقبلات فريد ومنعش وخفيف. أنهى وجباته أحياناً بسيدة المائدة اليمنية “بنت الصحن”، وأحياناً أخرى بالعريكة أو المعصوب. حتى الشاي الأحمر بالبهارات اليمنية نال استحسانه.
وقال ويلز، إن مطعم يمنات يقدم المأكولات اليمنية التي نادراً ما تجدها في مدينة نيويورك. وأشار إلى لحم الضأن “المطبوخ حتى نقطة الانصهار في فرن منخفض الحرارة”، وأطباق كلاسيكية أخرى يتم تقديمها في معظم المطاعم اليمنية في مدينة نيويورك. كما أشار إلى الشفوت ووصفه بأنه “مقبلات مُعدّة من نقع خبز إسفنجي ناعم يسمى لحوح في بركة من صلصة الزبادي بالأعشاب الخضراء”.
ويضيف المحرر: في كل مرة كنت أذهب فيها إلى المطعم، كنت أدرس القائمة، وأتأمل عرض الشرائح وأطلب. وبغض النظر عن حجم الطاولة التي خصصت لي، لم تكن كافية أبداً. ولهذا السبب ألوم الرشوش (قاصداً بذلك حجم الرشوش الكبير). فالرشوش عبارة عن خبز مسطح متعدد الطبقات بحجم بيتزا متوسطة الحجم، يُخبز في فرن طيني، ويُدهن بالزبدة المصفاة ويُرش ببذور حبة البركة السوداء. وإذا كنت تريد شوكة، فقد تضطر إلى طلبها، لأن معظم رواد المطعم في يمنات يتناولون وجباتهم بقطع من الرشوش في اليد اليمنى.
ويتابع الناقد الشهير قائلاً: من الجيد أن تصل إلى المطعم وأنت جائع. فالقائمة تجعل العديد من الأطباق تبدو متشابهة تقريبًا، ولكن في الواقع تختلف التقنيات تقريبًا بقدر اختلاف التوابل التي يستخدمها مطبخ يمنات بشكل واضح. ومن الممكن أن يكون أمامك ثلاثة أو أربعة أطباق دون أن تشعر أبدًا بأي شعور بالتكرار.
يتم تقديم كل من “الفحسة” (حساء تقليدي من لحم البقر في اليمن) و”السلتة” (حساء سميك ولذيذ) في وعاء حجري أسود اللون. ويتم تتبيل كليهما بالحوايج، وهو مزيج من الكزبرة والكمون والتوابل الأخرى التي يخلطها الطهاة اليمنيون حسب تفضيلاتهم وهي توابل يضيفونها إلى الأرز والقهوة وكل شيء آخر تقريبًا. ويتم تغطية كليهما برغوة خضراء شاحبة من الحلبة.
ولكنك لن تخطئ أبداً في التمييز بين الاثنين. فاللحم في الفحسة يُطهى على نار هادئة حتى يصبح من الممكن تقطيعه إلى قطع طويلة طرية. أما اللحم في السلتة فيُفرم ويُطهى على نار هادئة، وتأتي معظم نكهته من الخضراوات ــ الطماطم والبصل والفلفل الحلو والبطاطس. أما الفحسة فلا تحتوي على أي من هذه الخضراوات، ولكنها تحصل على جرعتها الخاصة من التوابل الإضافية والقرفة والقرنفل وغيرها التي تتداخل مع الحوايج لتكوين طبقة عطرية لا تتوقع بالضرورة أن تجدها في كومة من اللحم تشبه لحم روبا فيجا الكوبي.
ثم هناك طبق “العقدة” (قطع لحم الضأن الطرية). لا يعد طبق “أكدة” طبقًا مسلوقًا، بل هو أقرب إلى طبق “مزيج”، حيث يتم قلي لحم الضأن والخضروات معًا وضغطها في كتلة بنية كبيرة ولذيذة. ولن يكون من المبالغة وضع طبق “العقدة” على المائدة إلى جانب أطباق من السلتة والفحسة. ولكن هناك أطباق أخرى يجب أخذها في الحسبان.
إن الشكشوكة العدني هي أحد هذه العناصر. تصفها القائمة بأنها عجة، ولكنها في الواقع عبارة عن مخفوق مطبوخ مع الطماطم والبصل المتبل. ستكون وجبة عشاء خفيفة رائعة، وفي يوم من الأيام قد أتمكن من مقاومة نفسي و طلبها بمفردها.
سمك الموفا هو عامل آخر من هذا القبيل. سمك الموفا هو طبق من ساحل البحر الأحمر، وهو سمك “برانسينو” محمص في فرن طيني. قبل الطهي، يتم تتبيل السمك بخلطة حمراء مصنوعة من الفلفل المجفف، مما يوفر حرارة منخفضة وثابتة. يمكنك جعله أكثر سخونة مع سحاوق الجبن، وهو عبارة عن هريس من الطماطم الطازجة والأعشاب الخضراء وجبن الفيتا مع الفلفل الحار. النكهة المالحة، الكريمية، العشبية – استثنائية، خاصة عند فردها على رقائق سمك الموفا المحفوظة في قطعة ممزقة من الرشوش.
أما بالنسبة للحلوى، فهناك المزيد من الرشوش. فالمعصوب هو نوع من بودنج الموز المحلى بالعسل ويوضع فوق قطع الخبز. والعريكة هي نفس الحلوى تقريبًا المصنوعة من التمر بدلًا من الموز. وكلاهما جيد جدًا. والأكثر إثارة للإعجاب هو بنت الصحن، وهو خبز مصنوع من اثنتي عشرة طبقة أو أكثر مضغوطة بشكل رقيق ومدهونة بالزبدة المصفاة. وتنتشر بذور حبة البركة على السطح. ويُسكب العسل فوقه قبل أن يوضع على المائدة.
ويصف المحرر أجواء المطعم “بينما تستمتع بقطعة من الخبز الأسمر المحمص، وتشرب كوبًا من الشاي الأسود الحلو برائحة الهيل الذي حصلت عليه من جرة في الجزء الخلفي من المطعم، وتستمع إلى الموسيقى اليمنية التقليدية التي تُعزف أسفل همهمة المحادثة، تفكر في أروع المأكولات التي يمكنك أن تجدها في يمنات.
تمتلئ غرفة الطعام المريحة في مطعم يمنات، والمزينة ببساطة بمجموعة من السلال المنسوجة، بطاولات مليئة باليمنيين الذين يشربون الشاي بالبهارات، ويمزقون قطع الخبز المسطح، ويتحدثون. وأما مستوى الضوضاء، تُعزف قائمة تشغيل الموسيقى اليمنية التقليدية بهدوء أقل من همهمة المحادثة المنخفضة”.
يذكر أن ناقد الطعام تحدث في بداية المقال عن كيفية إنشاء المطعم من خلال تناول قصة أحد ملاكه، علاء السماوي، الذي كان مديرا لاستوديو تصميم في صنعاء قبل أن يغادرها بعد سيطرة ميليشيا الحوثي على العاصمة اليمنية، ثم هجرته بعد ثلاث سنوات إلى نيويورك وهناك جاءت فكرة تأسيس المطعم مع اثنين من أصدقائه.
وتعد هذه المراجعة من ناقد بحجم ويلز وفي صحيفة بشهرة نيويورك تايمز ذات أهمية بالغة، حيث تسلط الضوء على المطبخ اليمني وتنوع نكهاته الفريدة، وتعيد وضعه على خارطة المطابخ في مدينة كبيرة مثل نيويورك، والتي تسهم في إعطاء دفعة قوية لأخذ مكانته المستحقة ضمن تراث الطهي العالمي. كما تزيد من اعتزاز المهاجر اليمني في الولايات المتحدة وباقي دول العالم بهويته وثقافته وكذا بمأكولاته، وتشجع هذه المراجعة عشاق الأكل من مختلف الثقافات على استكشاف والاستمتاع بكنوز من الوصفات والنكهات اليمنية التي تستحق أن تُكتشف وتُقدر.
وتحظى مراجعات ويلز بمتابعة واحترام كبيرين، ليس فقط من عشاق الطعام، بل أيضاً من المحترفين في مجال الطهي، بما في ذلك الطهاة، أصحاب المطاعم، والنقاد.
ويُعرف ويلز بآرائه الصارمة والمفصلة عن الطعام، وغالباً ما تُشكل آراؤه الرأي العام والاتجاهات في عالم الطهي. يتجاوز تأثيره حدود نيويورك، إذ تُقرأ صحيفة نيويورك تايمز على مستوى عالمي، مما يجعله أحد أهم الأصوات في نقد الطعام اليوم.