من القصص الواقعية.. ★الناجي [15]★ ★في كبد الصحراء يسقط الفارس★
عدن توداي:
يرويها الكاتب / حسين السليماني الحنشي
وبينما أنا جالس أنتظر السيارات.
كانت الحرارة مرتفعة جداً، في وسط الصحراء ، مما أفقدتني كثير من الطاقة التي كنت أتمتع بها… وهذا جعلني أطلب العون والمساعدة من أي كائن يمر بي، فقد أُغلقت أغلب الأبواب ممن حولي، وبقيت أنظر إلى أفق السماء وأرفع يدي بالعجز إلى الله…
فبعد مرور أربع ساعات تقريباً ، توقفت سيارة بجانبي
ونزل صاحبها يفتحها ، وينظر فيها ،
تقدمت إليه ، قلت له: ممكن أساعدك ، قال: نعم، وهو يمسك بين أصابعه سيجارة ،قلت له: أنت بهذه البلاد الطيبة وتتعاطى الدخان ؟!
فتبسم .
كنت أعطيه القارورة من الماء يسكبها لتبريد السيارة.
بعد ذلك تحركنا وأطلعني معه في المقعد الخلفي ، كانت السيارة من نوع(هاي لوكس) كان يمشي بسرعة كبيرة ، كانت الاغاني بصوت مرتفع ، كانت أغاني أظن أنها غير عربية.
قلت له بصوت مرتفع: أوقف هذه الأغاني أنت ببلاد محرمة ، نظر في وجهي نظرة غضب، وقال بصوت عالٍ جداً: أنزل أنزل ، وتلفظ بألفاظ خارجة عن المألوف!
قلت: أفضل أن أنزل ولا أطلع مع عاصي !
كنت لا أظن أن أحد في تلك البلاد سفيها أو ساقط إلى هذه الدرجة، وأن يصل به الأمر إلى تلك الألفاظ، بل وإلى أبعد الحدود، فقد أتيت من مناطق تكن الحب والشوق لتلك البلاد ويتمنى ألكثير منهم زيارتها.
تفاجئت من تصرفاته التي لم تكن في الحسبان…
أنا الآن بوسط الطريق لا ماء إلا القليل، الحرارة مرتفعة السيارات المارة بجانبي لا تقف ، كلها خطوط سريعة.
كابد الساعات من المشقة التي لم أعرفها في حياتي، وواجهت الصحراء ومضيت ولكن كانت الإساءة من ذلك الرجل تقطع قلبي إلى جانب الصحراء وقسوتها الشديدة التي لا ترحم.
سقطت بوسط الصحراء كان الوقت يميل إلى وقت المساء .
توقفت لتناول بعض ماعندي من الطعام وشربت ماء قليل ، كي أحافظ عليه.
نمت قليل مع برودة الجو والرمال.
قمت بعدها على الطريق استوقف السيارات ، لكن دون جدوى.
أشرقت الشمس وأنا أمشي حتى تصل بي أقدامي إلى مدينة أو أخرج من هذه الصحراء القاتلة .
كان ظني أن السير ليلة كاملة يقضي على الصحراء، لكن للاسف ، أشرقت الشمس وأنا على نفس الحال في صحراء مترامية الأطراف.
بينما أنا على هذا الحال واليأس والظلام يملأ قلبي والارهاق، والسهر الطويل، توقفت سيارة صغيرة وأشار إلي صاحبها إن ءآتيه، وأخرج لي ماء وعصائر وطعام.
قال لي: هل أنت من عمال الطرقات؟
قلت : لا ، بل أريد مكة ولا أعلم أين هي؟!
قال: أنت بمكان خطير وبعيد، هنا الموت المحقق ، فقد ضليت الطريق…
أطلع يابني.
طلعت معه، قال: أنت صومالي، أتيت من اليمن؟
قلت: نعم، ثم سألني الرجل عن الصومال واليمن وعن شوقي للكعبة ورؤيتها.
رأيت الدموع تنهمل منه.
وأنا أتحدث…
قال لي: ياولدي أنا لا أستطيع مساعدتك أكثر من ذلك، أنظر لتلك الدوريات الأمنية، إنها تقبض على من يتساهل بالقوانين، أو من يعمل أعمال خارج القانون، ونحن وإياك نعمل بالطرق المخالفة للقوانين…
لكن لنحاول محاولة حتى نقرٌب لك المسافات، إلى مراكز المدن وتخرج من هذه الصحراء!
قلت له: نعم، جزاك الله خيرا الجزاء!
وصلنا قريب من مدينة صغيرة فنزلت من السيارة، وكان الرجل به أخلاق عالية، وكأنه من أهل تلك المنطقة ويظهر هذا من كلامه، وادعني وأوصاني بالدعاء له إذا وصلت إلى مكة.
ومضى في طريقه.
مشيت وخرجت من المدينة الصغيرة، ولم أجد غير شاحنة صغيرة محملة بالاعلاف، طلعت بها ولم يدرك بي صاحبها ، وخرجت مع الشاحنة إلى الصحراء مايقارب ساعتان ونصف من المشي المتواصل.
خرجنا من الطريق قليل وتوقفت الشاحنة الصغيرة أمام عشش كانت للحيوانات من الأغنام، والإبل، قمت بمساعدتهم وأنزلنا الاعلاف …
وإنزل صاحب الشاحنة الصغيرة، الطعام ووضعه للعمال. قال: أجلس , فتناولنا الطعام.
خرجت إلى الطريق ومعي ماء وأحمل بعض الطعام الذي تركوه العمال، ولكن كانت الصحراء، تلتهم كل شيء أمامها، لا تتوقف السيارات مضيت إلى ظل فلم أجد غير رمال متحركة تتلاطم بكل ناحية وتنعدم الرؤية، كنت أخاف أن أضيع بوسط الصحراء، ولكني لم أبتعد عن الطريق. كانت السيارات تستخدم الإضاءة لعدم الرؤية بشكل جيد.
قاومت حتى بعد الظهيرة توقفت العاصفة الرملية.
كان وجهي يمتلئ بالتراب وكان جسمي أيضاً، ووجهي شاحب عندما رأيته بمرآة كانت معي أخذتها وهي عبارة عن قطعة مكسورة أحملها بجيبي.
توقفت أمامي سيارة الدورية الأمنية، نزلوا نحوي، وقالوا: ماذا تعمل هنا؟
قلت لهم: أنني ذاهب الى مكة، ضحكوا جميعاً.
قال الضابط: وهل لديك تصاريح بذلك؟ هل تملك وثائق، وهي معك هنا؟
قلت: لا أملك شئ ، غير أنني( مسلم)!
قال الضابط: أقبضوا عليه. حملوني معهم إلى مركز للشرطة كان على الطريق.
أخذوا يحققون معي، علموا بعد ذلك أنني صومالي.
قالوا: أتيت من اليمن ؟ هل تريد العودة إلى اليمن أم إلى الصومال؟
قلت: إلى اليمن ؟
أوصلوني إلى مجمع به كثير من الشباب اليمنيين، وأطلعونا شاحنة كبيرة وأوصلتنا الى الحدود اليمنية.
فرجعت إلى القرية من جديد في أبين….