كتب / حسين السليماني الحنشي… عندما تنطفئ النار

(عدن توداي)
مقال لـ: حسين السليماني الحنشي
ولي أمر العائلة رجل مختل عقليا، لايحسن العمل ولا يستطيع أن يقدم
شيئاً لعائلته ، ولايحسن التصرف مع من أراد مساعدته ، ولايجد لغة التخاطب مع من حوله، وأم العائلة، مصابة بشلل أخذ منها الحركة والكلام! وهذه العائلة بها صغار وفتيات؛ لكن الاولاد بعضهم ذهب يبحث بعيداً للعمل دون جدوى وانقطع الإتصال بهم، والبعض الآخر استحوذت عليه العصابات، فلم يكترثوا بالعائلة ، وكان حال الأسرة فقيرة جداً، كغيرها من الأسر المجاورة في الحي! وصل ببعضهم إلى بيع اثاث منازلهم، وبعض الفتيات امتهن أعمال لم يشهد لها مثيل من قبل؛ لمساعدة الأسرة على البقاء، بالرغم من شعورهن بالذنب والإشمئزاز من هذه الأعمال! لكن لم يطرق باب منزلهم أحد بعد عجز ولي أمرهم…
كان الطريق الى السوق لايوجد به كثير من المارة إلا ماندر، وأحيانا ذوي الدخل المتوسط.
كانت الفتاة تقف بوسط الطريق، تخاطب إخوانها الصغار، وتوهمهم بالهدايا حال عودتها، (بقطع من الخبز) وتخبرهم إن المسافة شاقة، وإن ساعات الذروة حارة ! والطرق غير آمنة .
كان رجل يلتمس حاجته من السوق يمشي على قارعة الطريق، يسمع حديث الفتاة …
عرف الرجل من حديثها، ومن وجهها أنها تحمل هم عائلتها.
ناداها الرجل، ليتحدث معها…، وبعد أن أخبرته بمعاناتها نظر إلى وجهها الغارق بالدموع وفجأة إخرج مافي جيبه من النقود، ورمى بها نحوها.
قالت الفتاة: وهي شاحبة الوجه متألمة: ما هذا؟ ماذا تفعل؟
قال لها: لا شيء غير إن الله الهمني إلى الصدقة!
قالت الفتاة: ولكن ماهذا البكاء؟
قال: أنا لا ابكي من اجلك فقط، بل أبكي لمعاناة وطني …
ثم وقف الرجل، وأخرج دفتر كان يحمله؛ ومحا ما فيه…. ، وكتب أنني لم أستطيع الوصول إلى السوق اليوم، مثل أمس….
واني لا أعرف كم مضى من الزمن على رحيل المخلصين…
ولكني وصلت في نهاية عمري الى قناعة راسخة وقاسية ومؤلمة، مفادها
إن الذين يأكلون حقوق هؤلاء البسطاء بصور متعددة، وحتى من ألبسوا اختلاساتهم بالنظام، ورفعوا الشعارات ووضعوا صروحا مزيٌفة، واعلنوا لجشعهم الحرية كحرية ـ القرود ـ تعبث بكل شيء!
والآخر منهم يعترك كالكلاب…
(التي تسلّم فريستها ، لسيدها، وتبيع جهدها، مقابل العظام)!
نظر الرجل بكل الجهات؛ لكنها كانت خالية إلا من رجال الجبايات!
فصعد إلى قمة كانت قريبة منه، فصاح بأعلى صوته في الإرجاء، ولم يأتي إلا المتصدقين….!
وقفت الفتاة تناديه من تحت القمة، لقد أطفئ النار في قلبي، ما قدمت…!