<data:blog.pageTitle/> <data:blog.pageName/> - <data:blog.title/>
رئيس التحرير | جمال المارمي
مقالاتساحة حرة

مقهى المدينة

(عدن توداي)

مقال لـ:  حسين السليماني الحنشي

مع ساعات الفجر الأولى، كنت قادم من مسافات بعيدة، وشاقة يملؤها الشوق والحنين…
كانت ملامح وجهي يظهر عليها أثر السفر …
أحببت أن أخذ قسط من الراحة، حتى شروق الشمس واتمتع بمناظر مدينتي التي لطالما إشتقت لها، اخترت إحدى المقاهي الخالدة، جلست على كرسي من كراسيها المصنوعة يدويا. كان حولي وخلفي بعض الزوار يجلسون بأماكن متفرقة. كان أمامي عجوزين اثنين؛ أنظر من خلالهما صور الماضي الذهبي للمدينة !
بعد غياب عنها لعقود من الزمن…..
جلست بجانبهم على طاولة المقهى، ارتشف من كأس الشاي مما زاد ولعي فناديت بشاه آخر، كان حارا بدرجة حرارة المدينة المرتفعة، تركته يبرد وأخذت نفساً عميقاً، ووضعت رأسي على قفاه من أثر السفر، كان الرجلان يتحدثان عن معاناة المدينة، وأخذني جمال تلك الكلمات، والهجتهما الممزوجة بتاريخ مدينتي، تركت الشاي، وهما يتحدثان عن المدينة وماتعانيه. يقول أحدهم : أنها ليلة تشبه ليلة دخول اللصوص المدينة … هل سيكتبون تاريخا مغايرا هذه المرة؟!.
هاهي “المدينة” اليوم بعيدة عن اللصوص، إنها فرصة، لكي يثبتوا لنا أنهم يملكون قدرة الاستفادة من الماضي الذي عشناه ولازال.
قال صديقه: أننا سنراقب ما الذي يصنعه “الحكام الجدد”.
قال العجوز : نعم نعم، لقد بدأت العجلة تدور ولكن لتطحن الجميع دونما رحمة….
رد صديقه: المقابل وهو يسارع بالحديث، وهل اطلّعوا على مذكرات الماضي للإستعاضة؟
قال العجوز: لا لا ولكن لتكرارها مجددا للأسف!!
صديقه متعجب، أتعاد تجربة المجانين مجددا؟! آه آه.
[من جرب المجرب عقله مخرب]
العجوز : لقد بدأ العالم يسمع عن مدينتنا، ولكن عن طريق المنظمات الإغاثية، وعن الأمراض والأوبئة التي تسكنها، ليس لدينا غير هذه المنجزات…
صديقه: نعم…
العجوز: ألم يكفي ما أصابنا طول حياتنا والآن الأبناء ؟!
ماهذا الفشل الكبير ؟
اين المناضلون ؟ اين النشطاء اين واين؟؟
صديقه: انهم في السجون، وقد هرب الكثير الى الخارج وظهرت للناس وجوه واسماء لم نصدق بها قط!
العجوز: وقف على رجليه وهي ترتجف ومذهول. وقف قليلا ثم تنهد، فجلس مجددا.
قال العجوز بعد جلوسه بحسرة : لقد
قرأ الحكام الجدد مذكرات أسلافهم ، الذين سلموا المدينة للص، يأكل دونما يعطي حتى الفتات!
قال صديقه: انهم يقتتلون فيما بينهم (الحكام) من أجل تسليم المدينة للصوص!
أنهم أيضاً اتخذوا الحروب والفتن والمحن للمدينة، كمواسم يتقربون بها إلى اللصوص.
العجوز: لازال من يحكم المدينة المغفلون والمجانين ؟!
صديقه: للأسف لازال يسودها هؤلاء!
العجوز، لقد رسمنا الخطوط العريضة في يوم الخلاص …
صديقه، لقد محيت تلك الخطوط، واستباح من خلالها دماء خيرة ابنائها …
العجوز، يرفع عصاه نحوي ويهوي بها في خاصرتي، وهو يقول أشرب الشاي فقد ذهبت منه الحرارة!
ازعجتني عصاه ، حيث اعجبني الحديث وكنت أريد أن أسمع ماتعيشه مدينتي التي طال ماسمعت عنها وعن ناسها …
بعدها هوت يدي نحو كأس الشاي.
العجوز يضحك ويقول: أنظر فقد وقع فيه الذباب!
كل شي حولنا تالف ألا تدرك ذلك؟!
هيا استبدله بغيره، فلم يعد شاي المقهى كما كان، ولم تكن النظافة العامة ثقافة، ولم يكن زوار المقهى وعشاقه و من صنعوا للمقهى شهرته متواجدين .
نظرت إلى الجوه وكان يعلوها الحزن والكآبة!
قال أحدهم: يبدو أنك لست من أهل هذه المدينة؟!
قلت لهم: أنني وصلت من السفر، بماذا تنصحوني، في الاستثمارات لمدينتي؟!
انطلق لسان حالهم بنفس الوقت: لا لا لا، عليك بالعودة من حيث أتيت! واستكمل مابقي من عمرك؛ فلست انت الغريب عن وطنك، بل لقد عشنا غرباء طيلة حياتنا!!
أحمل عصاك وارحل، وعد الى الطريق الذي جئت منه!!
فوجدت نفسي أحلّق في سماء مدينتي وانظر إلى الخراب الذي حل بها!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار
Basic to intermediate knowledge. The market is expected to grow from usd 155 billion in 2023 to usd 300 billion by 2025, at a cagr of 26%. Vitamineral – lietuviški produktai sportui ir sveikatai.